×
محافظة المنطقة الشرقية

إنقاذ قارب تائهٍ على متنه 14 شخصًا بالخبر

صورة الخبر

«الفوبيا»، او الخوف المرضي، هذا المصطلح المنتقل مجازياً من الطب النفسي الى المجال العام، هل يتضمن القول بوجوده في مجتمعات مفتوحة ديموقراطياً تناقضاً مع تعريفه على هذا النحو؟ الاجابة الممكنة بـ «نعم» عن هذا السؤال تستند إلى أن التهوئة الفسيحة التي تجدها العواطف والأفكار المنحرفة أو الغريزية المولدة للفوبيا هي، في الواقع، حرمان لها من الاوكسيجين اللازم لتضخمها ورماً خبيثاً. فالحديث المتواتر عن الاسلاموفوبيا في المجتمعات الديموقراطية هو، في الحقيقة، صدى صوت اشتغال جهاز التحذير المبكر الذي تتولى صيانته وتحسين أدائه باستمرار الأوساط الليبرالية واليسارية الحزبية وغير الحزبية. آخر عهد الغربي من هذه المجتمعات بالفوبيا كان النازية والفاشية التي قُتلت اسبابها بحثاً وتمحصياً صريحين وعميقين لدرجة ان الفكر الغربي لم يتردد في توجيه الاتهام حتى لعصره التنويري الذهبي بكونه احد مصادرها، على لسان مؤسسي مدرسة ما بعد الحداثة. لذلك لم يحدث في أي مجتمع غربي ان تضخم وزن الاحزاب والاتجاهات المعادية للاسلام والمسلمين، أو أي دين أو قومية أخرى، بمستوى يفرضها لاعباً أساسياً في مسارحها السياسية، كما انها في معظم الأحيان تندغم في العداء للمهاجرين عموماً. ينطبق هذا الاندغام حتى على الاستثناءين الفرنسي والنمسوي. فحزب الجبهة الوطنية (القومية) الفرنسي الذي يعتبر القوة السياسية الثالثة وقد نافس جدياً في انتخابات الرئاسة عام 2002، لا يعادي المسلمين في شكل خاص وانما الهجرات غير الاوروبية، وكذلك الأمر بالنسبة الى حزب الحرية النمسوي وإن بدرجة اقل. والحال ان كليهما، مع تيارات اليمين الاوروبي في هولندا وحتى في الدول الاسكندينافية التي لا تاريخ استعمارياً لديها، بقيا ما يتجاوز العشر سنوات وحتى التسعينات، حركات هامشية الوزن. هكذا بقيا قبل وصول موجة التطرف الاسلامي، خطاباً تعبوياً وتحريضياً ثم عنفاً، إلى الغرب بواسطة المهاجرين الجدد. ومع هؤلاء او من دونهم، جاءت ثورة الاتصالات الالكترونية لتدمر التحصينات المضادة للفوبيات التي اكتسبتها اذهان بعض منتسبي الجيل الثالث من المسلمين الاوروبيين ذوي الأصول الآسيوية، فشكلوا بيئة توطين اوروبية للهوس الديني. وبما ان السخرية التي لا تعترف بالقداسات حدوداً، حتى في ما يتعلق بالذات الالهية، مسيحية كانت او غير ذلك، تُعتبر من أدوات السجال العادية في الثقافة الاوروبية، فإن ردود الفعل تجاه الهجمة الاسلامية بقيت تتصاعد حتى وصلت الى قمتها مع «داعش» و»شارلي ايبدو». وبينما ينتج من ذلك ازدياد معاناة الجاليات الاسلامية سياسياً واجتماعياً ومعيشياً، إذ تصبح موضع شبهة عشوائية، فإن اثمن ما تفقده هو تآكل رصيد المقبولية لدينها وثقافتها في المجتمعات الاوروبية والذي كونته اجيالها الأقدم، إرتقاءً ممكناً الى درجة توفير الحماية القانونية لمقدساتها أسوة بالهولوكوست. هذه المقبولية تغدو معرضة الآن للنضوب النهائي ولن ينقذها من هذا المصير اكتفاء القيادات المجتمعية والسياسية والدينية للمسلمين بمجاراة خطاب الحكومات الاوروبية المحسوب إتقاء لتهمة الانحياز ضد الآخر غير الغربي، موزعاً اللوم بالتساوي بين المتطرفين الاسلاميين والاوروبيين، بل الخروج الحاسم من حالة الانكار والاقرار بأن التطرف اليميني الاوروبي هو الى حد كبير من صنع رصيفه الاسلامي... وان الأخير هو في مبتدأه ومنشأه الاول من صنع الغربوفوبيا العربية-الاسلامية بالذات. فـ «داعش» وقبله «القاعدة» ومنابتهما في السلفية المسالمة، هؤلاء جميعاً نتاج تعطل جهاز الانذار المبكر ضد الفوبيات بمختلف أشكالها في مجتمعاتنا وثقافتنا منذ ما يتجاوز نصف قرن على الاقل. ذلك أن إرهاصات تأسيس مثل هذا الجهاز اوائل القرن الماضي قبرتها محاولاتنا اللحاق بالغرب او تفسير تأخرنا عنه، بالبحث عن الثورة والتغيير عبر الطريق الاشتراكي ثم الاسلامي في مكان آخر غير العقل، فكان أن تقهقرنا حتى وصلنا الى الفوبيات (الوطنية)، الشيعوفوبيا والسنوفوبيا، ناهيك عن الغربوفوبيا الحادة، كراهية صافية اضحت مستغنية عن اي صاعق تفجير لكي تثبت وجودها الدامي.