×
محافظة المنطقة الشرقية

مبتعثو "برستون": فراغ خزينة النادي جمّد أنشطته وأوقف برامجه!

صورة الخبر

معها تزيغ القلوب، وتُختبر عقول الرجال، ويُمتحن الإيمان أيّما امتحان، وتختلط الأمور، وتتبدّل الأحوال إلى الأسوأ، ويتحوّل الحسن إلى قبيح. معها يُصبح للنعمة سكرات، وتحلّ بوائق النقمة، تبدأ في مدارج خفيّة، وتسلّل كالإيحاءات الشيطانية، وتتمكّن من المرء وهو في سكرة عنها، تنمو تدريجيًّا حتى تصبح كبيرة وفظيعة، وصفها الإمام عليّ بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قائلاً: "إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت نبّهت، يُنكَرْن مقبلات، ويُعرفن مدبرات". إنها كإعصار عظيم إذا ضرب مدينة، فلا تُعرف أضراره وخسائره إلاّ بعد زواله، ولا يمكن معرفة ما ينبغي فعله معه إلاّ بالتزام الإرشادات وتعاليم السلامة. إنّها الفتن!! التي قال عنها أبو ثعلبة -رضي الله عنه-: (أَبْشِرُوا بِدُنْيَا عَرِيضَةٍ، تَأْكُلُ إِيمَانَكُمْ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّهِ أَتَتْهُ فِتْنَةٌ بَيْضَاءُ مُسْفِرَةٌ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَلَى شَكٍّ مِنْ رَبِّهِ أَتَتْهُ فِتْنَةٌ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ). ولا تأتي الفتن على وجه واحد، إذ تأتي في الخير والشرّ، يقول الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً). والفتن إذا حلّت لا تصيب فريقًا دون فريق، وإنما تصيب الجميع، وما زماننا اليوم إلاّ زمن تتوالد فيه الفتن دون موسم محدّد. فما أن يصبح المرء اليوم حتى يمسى إلاّ وهو يتقلّب في الفتن ومضّلاتها التي تنحرف به عن سواء السبيل، وتصدّه عن الصراط المستقيم. فما أكثر الشُّبه التي تحيط بإنسان اليوم! وما أكثر دعاة السوء الذين يلبسون الحقّ بالباطل! وما أكثر المنافقين عليمي اللسان الذين أوتوا فصاحة وقوّة بيان، موّهوا بها على ضعاف النفوس!. وأشدّ الفتن: الكلام في الفتن بغير علم ولا عدل، فما أكثر القيل والقال، وتفسير الأمور وفق الأهواء! وما أكثر الذين يتكلّمون في العلوم والدين والدعوة، وهم ليسوا أهل علم، ولا أهل فقه. لقد كانت القاعدة الأعظم هي: فلتقل خيرًا أو لتصمت، لكن أكثر الناس اليوم استبدلوها بقناعة في أن عليه أن يقول ولا يصمت، إذ يظنون أنه يجب عليه أن يكون له حضور في كل موضوع، وأنه إذا لم يُبدِ موقفًا ولم يعلن عن رأيه أو يتكلّم فإن ذلك منقصة في حقّه. فالكلّ يتكلّم، ويدلي بدلوه فيما يفهم ولا يفهم، وقد صدق سيَّدنا ونبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلَّم إذ قال: "إنّ أمام الدّجال سنين خدّاعة، يُكذَّب فيها الصّادق، ويصدَّق فيها الكاذب، ويُخوَّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلّم فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة، قال: الفويسق يتكلّم في أمر العامّة". وما أكثر الرويبضة في أيامنا هذه، يتصدّرون المجالس، وأحيانًا المناصب!! فاليوم أصبحت الصدارة للمتشدّقين والمتفيِهقيِن الذين يحملون الناس على شاذ القول في الرأي والفتوى ويلوّنون الحقائق وفق أهوائهم. عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "إذا أحبّ أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا، فلينظر، فإن كان رأى حلالاً كان يراه حرامًا، فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حرامًا كان يراه حلالاً، فقد أصابته الفتنة". وعلى المرء الكَيّس الفَطِن أن لا يخوض في أمور الفتن، ولا يتحدّث بما لا يعلم، فالله جلّ شأنه قال: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ). واليوم.. ما أكثر المردّدين والناسخين الذين يردّدون كل ما يمر بهم دون علم، ولا وعي، ولا إدراك! متجاهلين قول الله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا)، أي العدل في القول والفعل لا باتباع الهوى الذي لا يأتي بخير، ويتسبّب في الفُرْقّة وعدم التزام الجماعة ومنهج السنّة. إن الفتن اليوم تطلّ علينا من شاشات (التلفزة)، ومواقع (النت) ومن أجهزة الهواتف، وصفحات المجلات والجرائد، وتحاصرك وأنت تسير في الطريق، فكل شيء حولنا اليوم هو فتنة. وواجب المؤمن في الفتن أن يأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس في الفتن: رجل أخذ بعنان فرسه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزل في بادية يؤدّي حق الله الذي عليه). فاعتزال الفتن والهرب منها أفضل، إذ يقول النبي عليه السلام: (فخير الناس يومئذٍ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب يتّقي الله وينذر الناس من شرّه). alshaden@live.com