×
محافظة حائل

طواريء حائل تعيد حركة السير لحي السمراء بعد ساعة من سقوط عمود إنارة

صورة الخبر

حدّثتك عن تجربة الستينيات الاقتصادية في مصر، وقلتُ بأنها بُنيت على وعدٍ بحل المشكلة الاقتصادية مقابل التضحية بالإصلاح الإداري، لأنه يتطلب نهجًا سياسيًا لم يك مرغوبًا فيه، ينصب ذلك الإصلاح على تقليل الاعتماد على عنصر الإكراه في الإدارة وتنظيمه عن طريق تقييد أدواته بالقانون. أُذكّرك بأن التحديث إنما يتعامل مع مشكلتين، اقتصادية وإدارية، فإذا بالتجربة تعطي أولوية وحيدة للأولى، وتنكص عن الإصلاحات التى ألمّت بالثانية على مدى أربعة عقود منذ عشرينيات القرن الماضي، فلم تجمدها وحسب إنما رجعت بها القهقري، الأدهى أنها فعلت ذلك دون أن تحل المشكلة الاقتصادية!.. فالاستثمار في الصناعة إن لم يؤدِ إلى قاعدة صناعية قابلة للنمو والبقاء ذاتيًا، فكل جهد مبذول فيه ضائع، الصناعات التي لا تقوى على المنافسة في سوق مفتوح لن تصمد طويلًا، وتوفير الحماية لها في السوق المحلي يزيد من هشاشتها ونقاط ضعفها، أما في الأسواق الخارجية فلا أمل لها على الإطلاق في عالم تتطور تقنيات إنتاجه كل بضعة شهور. التكنولوجيا على أهميتها القصوى في الصناعة ليست كل المشكلة، هناك كذلك إدارة عمليات الإنتاج، وهنا أُذكّرك باختفاء طبقتي رجال الأعمال والمديرين التنفيذيين العماد التنظيمي لتلك العمليات، وعجز البيروقراطية عن أن تحل محلهما، لا لأن البيروقراطية أقل موهبة، إنما لأنها تعمل بطريقة مختلفة، فالموظف البيروقراطي ليس شخصًا إنما طريقة عمل، وقد قلت لك إن التجربة لم تبقِ إلا على فئتين من الناس، المزارعين والبيروقراطية. المجتمعات الكبيرة ذات المساحات الشاسعة والموارد الوفيرة كالاتحاد السوفييتي (على زمنه) والصين قد تتحمل تجربة كتلك إلى زمن أطول، لكن ليس طويلًا، لأن قدراتها على التوسع في الداخل مع الانغلاق عن الخارج أكبر، مع ذلك لا بد أن تبلغ في نقطة ما طريقًا مسدودًا، في بلد مثل مصر التجربة قصيرة النفس وبلا جدوى. حتى ما بدا نتائج حسنة أدى إلى تبعات ليست بالحسنة، زيادات الدخل التي حققتها التنمية لم توجه لخدمة التراكم الرأسمالي، وتوفير مصادر للتوسع في الاستثمارات، إنما امتصها التوسع في البيروقراطية والإنفاق العسكري، وذهب بعضها لقطاع الخدمات، وهي أوجه إنفاق وإن كانت مهمة إلا أنها غير منتجة. زيادة أعداد الطبقة المتوسطة نتيجة حسنة أخرى، إلا أنه العامل الذي قيّض له تسديد أقوى الضربات للتجربة ونظامها، فلا أحد قادر على تمييز الطريق المسدود وتشوّهات الواقع سوى الطبقة المتوسطة، فالأعلى مستفيدة مما هو واقع، والأدنى كما هو حالها دائمًا عمياء لا ترى، هي الأكثر توجعًا بالتأكيد، لكنها لا تعرف بدائل ولا تتصورها. أضحت الطبقة المتوسطة في وضع الإحباط التام بعد سد منافذ طموحها، المنفذ الوحيد المتاح البيروقراطية، وهوليس بمخرج إنما مصيدة. لن أُحدّثك عن السنوات العشر العجاف 1967- 1977، الموجعة بما فوق طاقة البشر على التحمّل، لأنها لا تتعلق بالاقتصاد وحده الذي ألزمتُ نفسي به هنا.. على ذلك كان قرار نهاية السبعينيات بالعودة إلى السوق الحر والاقتصاد المفتوح السبيل الوحيد المعقول، الذي أنيط بعهد مبارك برامج تنفيذه، والسير على جادته مدار الحديث التالي. malib52@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (32) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain