العام الحالي سيكون -في الغالب- هو عام ذبول ما عرف بـ«الربيع العربي»، وعودة أغلب بلاد العرب إلى ما كانت عليه قبله مؤقتا.. ونقول مؤقتا، لأن بذور الاضطراب وعدم الاستقرار ما زالت قوية وقابلة للنمو، بل هي بعد هذا الربيع أقوى من ذي قبل، فمن أهم ما تمخض عنه هذا الربيع هو الرفض الشعبي العربي التام لديمومة نوعية الأنظمة التي كانت سائدة قبل ذلك الربيع، وإن كانت الفوضى العربية الحالية لا تبرر الاشتراط ولا تتيح الاختيار، بسبب غياب الأمن وعدم الاستقرار والتشرذم. والدرس الذي يجب على العرب أن يعوه هو ضرورة اتقاء شرور أي ربيع قادم بالتنمية السياسية الإيجابية، ولذا يمكن أن نقول بأن هذه السنة وربما التي تليها، هي سنة استمرار معاناة أغلب العرب من أسباب معاناتهم المزمنة المعروفة من عدم استقرار حقيقي، غياب ملحوظ للأمن، إقصاء طائفي ومذهبي، بؤس جماهيري، وكل ذلك يعني استمرار مسببات الاضطراب وعدم الاستقرار وقابلية الأوضاع للانفجار. إن عالمنا الثالث المسكين، والذي ينتمي إليه أغلب العالمين العربي والإسلامي، يتطور أغلبه بصفة عامة ولكن من سيئ لأسوا، في أكثر الحالات والمجالات فيزداد بؤسه وتتسع دائرة تعاسته. . ويمكن رد ما فيه معظم هذا العالم من علل وبؤس (بصفة عامة) إلى سوء سياسته، كمسبب أول، ولا يتوقع كسر طوق ذلك النحس، وتعديل السياسات الخاطئة قريبا، فالغرب المتسلط والقوى المتحالفة معه ما زالت في موقع أقوى. ويلاحظ وضع السياسة (الإدارة) كمسبب أول لهذا الوضع الرديء، والبعض قد يعترض ويقول: بأن التعليم (مثلا) هو أهم عامل وليس السياسة -كما أزعم. فإن تغير التعليم وتطور تتغير الحياة، وتتحسن، هذا صحيح إذا تجاهلنا العوامل الأخرى. فمع الأهمية الحاسمة للتعليم -وقبله الصحة- إلا أن السياسة يمكن أن توفر تعليما جيدا، ويمكن أن تفعل العكس، أو حتى تكرس الجهل. من هنا تأتي أهمية السياسة لتصبح الأهم أو أهم عامل في تطور الحياة العامة للبشر. ولهذا، تصبح الأحداث والأوضاع السياسية في المقدمة لما لها من تبعات وانعكاسات إيجابية وسلبية على كل مناحي الحياة الأخرى.