هل تستطيع أن تكتشف الشاب الذي يعاني من حيرة الاتجاه او الدور وحتى الموقف من القيم في مقابل الأكبر سناً؟ طرح احد الزملاء هذا السؤال وهو يروي قصة رجل في الاربعينيات من عمره وهو يمارس كما يقول بعض "الاعمال الصبيانية". بل ويشير الى أن من يدلف عبر بوابة الاربعينيات فهو قد دخل عالم الحكمة او يرتد الى عالم الصبيان. طبعا هذه الصورة تمر في اذهاننا كثيرا عندما نصنف بعضنا البعض مثل صاحبنا أعلاه الذي لا يزال يعيش في " سن المراهقة المتأخرة". وهي شخصية قريبة من الشباب ولكنها لا تحظى باحترام الشباب، وفي مقابلها هناك شخصيات في مثل هذا العمر تجعل الشباب على حافة الحيرة والازمة في سن مبكرة. وهناك طبعا الكثير من دراسات أزمات مفاصل العمر مثل دراسات أريك اريكسون عالم النفس الشهير ولكن لا تعنيني هنا كثيرا، ولكن الذي يعنيني هنا هو ان الشباب الحائر بات يحدد "أجندات" غيره من الشباب وبعيدا عن مراكز التوازن القيمي داخل المجتمع. ولعل الاميركية المسلمة ادينا ليكوفيتش قد لمست الموضوع ببراعة تامة. فهي ترى في مقارنة اتصالية بين الشباب والكبار من المسلمين في أمريكا ان كبار السن هم من يحدد مواضيع الاحاديث في المساجد والخطب والكتب وغيرها من "اجندات الكبار" وعلى فرضية ان الشباب يقبل بها في زمن غياب البدائل. ولكنها تقول ان شباب اليوم بات يملك فرصة عرض المواضيع والقيم والأفكار خارج اطار التعلم التقليدي في البيت والمدرسة والمسجد. ولذا تخشى ان تتحول المساجد التي تبنى او تشترى في أمريكا الى ممتلكات عقارية بدلا من دور للعبادة ونشر الفضيلة من زاوية الشباب صاحب القضايا الملتهبة. فشباب اليوم يمر بأزمات حقيقية مبكرة لم تعد تقتصر على تلك القضايا المفصلية للشاب في السابق والمتعلقة بأزمة الحقبة الزمنية المرتبطة بالماضي او المنسلخة منه في هجرة للمستقبل، او حيرة الأدوار او حيرة الوقوع في الفشل المستمر والايمان به وحيرة التابع والمتبوع. وهكذا هي حيرة الشباب في ازمة ارادت مجلة علم النفس ان تضعها في اختبار لشباب اليوم فكانت اسهل الطرق هي التعرف على موقفهم من السياسة والدين والوظيفة والعلاقة مع الجنس الآخر. وفي كل زاوية من تلك المناطق المظلمة او المضيئة قد يجد الشاب نفسه في حيرة جديدة تقوده الى اطراف المجهول وبعيدا عن امة الوسطية. وهنا بيت القصيد عندما نقول ونؤمن بأننا امة وسط بين الأمم والمعتقدات فما الذي قاد شبابنا الى أزمات مقتبل العمر من تطرف ومخدرات ولغة رديئة وغيرها كثير؟! تقول مليفوتش ان الشباب اليوم يمتلك الوسائل الرقمية التي يعبر بها عن رأيه وفي مواضيع قد تصدم المجتمع التقليدي ولكن على هذا المجتمع ان يستبق الشباب الى بر الأمان ليعرف اين يتجه هؤلاء من حلول. لدى بعض شبابنا بوادر ازمة مقتبل العمر فيما يتعلق بنموذج بناء الاسرة من خلال الزواج مثلا، لذا نرى بوادر العزوف عنه والطلاق السريع فيه والعنف بين الأطراف من خلاله. فأين يكمن الخلل ؟ هل هو في النموذج ام في منظومة القيم ام هو في تفكك النموذج الاقتصادي للاسرة الممتدة والقذف بالشباب في اسر نووية؟ والأخطر اننا سنواجه أزمات حقيقية لدى شبابنا في ظل الازمات الفكرية مثل التي تعصف بعالمنا العربي ونرى شبابنا وقودا لبعضه وكذلك في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء. احد الزملاء الأفاضل يرى مثلا أن " فكرة المنهج الخفي" التي سادت مع موجة الإرهاب بقدر ما هي حقيقة هي أيضا وسيلة لتشويه المنافسين. ولكنها في ظني كانت مرحلة من مراحل أزمات مقتبل العمر لبعض شبابنا، ليقرر مع من سيكون طالما ان المجتمع استعد للانقسام فوجد نفسه الصغيرة اقدر على ممارسة الانقسام العلني وليس من خلال منهج خفي. ازمة حقيقية أتمنى ان نقتنص فكرة ليكوفيتش بمناقشة أفكار الشباب في منتديات وعلى منابر الكبار قبل ان نُدخل المجتمع في ازمة خريف العمر.