< خلال الأيام الماضية نشرت مواقع وحسابات تصريحات مزورة منسوبة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بقصد جس النبض ومعرفة التوجهات السعودية في الفترة المقبلة، استناداً إلى افتراضات وهمية، ولم ترد السعودية عليها لأن مصادرها غير ذات قيمة. قبل أيام بثت قناة «مكملين» التابعة لجماعة «الإخوان» ما أسمته تسريباً من مكتب السيسي، محوره القدح والاستهزاء بدول الخليج، خصوصاً السعودية والكويت والإمارات، مترافقاً مع حملة مكثفة قادتها قناة «الجزيرة» وصحف ومواقع تستفز السعودية، من أجل الثورة على الحكومة المصرية ومقاطعتها وتجميد التقارب معها ثأراً وانتقاماً، ولم ترد السعودية أيضاً لأنها لم يسبق أن التفتت إلى هذه الأصوات، وقد مر مثلها كثير، ولأن الدولة لا تتصرف وفق المزاج ولا تنجرف مع عمليات الاستفزاز والتحريض من أي أحد، بل إنها تتجاوز أحياناً بعض التصريحات الرسمية استناداً إلى ثقتها برؤيتها وصحة مسارها، وترفعاً عن المهاترات والمنافحات بأشكالها. السياسة السعودية لم تكن أبداً متقلبة، إذ أعلن الملك سلمان مراراً ثبات خطها واستمراريته، لأنها قائمة على استشراف طويل الأمد ومبادئ ثابتة سياسياً وأخلاقياً. مساء الأحد جاء اتصال الرئيس السيسي بالملك سلمان وكان هذا الاتصال كافياً في إطاره العام، في تأكيد العلاقة المتينة وموقف السعودية من مصر، إلا أن الملك قرر بشكل نبيل قطع دابر الإشاعات والتخرصات، فأكد أن «علاقة المملكة ومصر أكبر من أي محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بين البلدين»، مغلقاً الباب أمام كل المحاولات، ولم تمض دقائق حتى كانت اتصالات مماثلة من الرئيس السيسي بالشيخ صباح الأحمد والشيخ محمد بن زايد والملك حمد بن عيسى، الذين جاءت كلماتهم تأكيداً لما قاله الملك سلمان، ومطابقة في المضمون والمفردات. هذا الموقف الرباعي المتطابق يعني أن هذه الدول تقف على أرضية واحدة، وتتحرك وفق نهج عام في معالجة القضايا الإقليمية، وأنها تتشاور باستمرار في الملفات التي تهم أمنها واستقرارها وتخدم تطلعاتها التنموية المشتركة. للأسف أن الحملة المرافقة للتسريبات، بعيداً عن درجة صحتها، تحاول الإساءة إلى دول الخليج وتحريضها وفق مزاج رغبوي، يراهن بسذاجة غير مسبوقة على أنه يمكن التأثير في قياداتها وفرض مواقف معينة عليها من خلال مثل هذه الحملات وتكثيفها والتنويع عليها، والمشكلة الكبرى أن هذا المزاج يريد القول إن دول الخليج الأربع لا تعرف ماذا يحدث وتجهل كل الكواليس، ولا بد من تذكير كل السذج بثناء رئيس الوزراء البريطاني على السعودية ودورها في حماية البريطانيين داخل بلدهم من هجمات إرهابية، ليعرفوا أن السعودية تتوافر على معلومات دقيقة ومعمقة حول كل الملفات والشؤون التي تهمها وتدعم الاستقرار في العالم. أراد الملك سلمان إفهام كل هؤلاء أن السعودية تعرف ماذا تريد وأين تمضي، وأن علاقاتها استراتيجية، وأن موقفها من مصر وخيار شعبها ومسيرتها الانتقالية لا تتبدل ولا تتأثر بأية محاولة، خصوصاً أن السعودية تسعى لأن يتجاوز العالم العربي أزماته الحالية ويستعيد دوره وقوته. نصيحة إلى كل الخبراء بالشأن السعودي أن يقرأوا تاريخ السعودية جيداً، وأن يتعرفوا على شخصية الملك سلمان ورؤيته الواضحة والثابتة، قبل أن ينشغلوا بفتاوى غرائبية عن السعودية وتوجهاتها، ولعلهم سيفهمون حينها أن بوصلة الرياض لا تحركها الأمزجة والرغبات. كاتب سعودي jasser87@