في عهد الصحابة رضوان الله عليهم كلنا يعرف أن الرجل منهم او المرأة كان يتمعن ويتأنى في قراءة السورة الواحدة لعدة سنوات، وبعد ان يستوعب معانيها واحكامها ومضامينها كاملة ينتقل لسورة اخرى وقد يحتفل بذلك كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. اليوم تخطينا حالة التباهي الشكلي والاستهلاكي الى التباهي في عدد ختمات القرآن الكريم.. الاشكال ان ذلك التباهي للاسف انتقل من الافراد بوعيهم البسيط الى أئمة المساجد حيث بات بعضهم يختم القرآن في صلاة التراويح لثلاثة ايام او اربعة.. طبعا الواتسب كان شريكا قويا في اعطائنا جدول ممنهجا لختم القرآن عدة مرات في هذا الشهر الكريم.. هذا الشهر من حسناته وهي كثيرة ان اغلبنا يعود للقرآن ويستمتع بقراءته وغالبا يختم الاغلبية ان لم يكن الجميع القرآن في هذا الشهر مرة واحدة على الاقل بل إن بعضنا يستحي ان يقول مرة واحدة، وقد يكذب ليتجمل. المؤكد اني مع قراءة القرآن طوال العام وليس في هذا الشهر فقط.. ولكن ايضا المؤكد انني مع القراءة المتمعنة وليست القراءة كما لو كنا في سباق دون ان ندرك مضامين تلك الآيات وتوجيهات الله عز وجل لنا فيها.. للاسف كثير منا يقرأ القرآن بل ويعلمنا بكل قوة عن اختياره لافضل قارئ ليصلي معه بحجة ان صوته رخيم جميل ولانه يطيل الصلاة بل ويتفاخر انه ختم القرآن معه قبل انقضاء اسبوع من هذا الشهر.. وحين تتمعن في سلوكياته تجدها ابعد ما تكون عن توجيهات القرآن الكريم حيث تغيب عنه قيم التسامح او الصدق او حب الخير للاخرين بل لا يجد صعوبة في إثارة الفتنة بين الناس ونقل المعلومات المضللة وربما يصل الامر به لتحليل المال العام في ممارساته اليومية في عمله.. الاشكال ان بعض أئمة المساجد في صلاة التراويح لا يراعي الحالة الصحية للمصلين، ويطيل القراءة في صلاته الى درجة ان بعض المصلين يضطر للجلوس بين ركعة واخرى..ما قد يفقد هؤلاء الاحساس بروحانية الصلاة وهو المطلوب.. تزايد تلك الظاهرة لا بد من االتصدي له من قبل وزارة الشؤون الاسلامية.. لا نريد ان يتنافس الائمة على ختم القرآن بل نريدهم ان يتنافسوا على نشر قيم الاسلام بين المصلين.. نحن امة تحتاج العودة لعمق القرآن، لمضامين الايات الكريمة.. نريد من علمائنا نشر ثقافة التفكر والتمعن في القرآن وليس مجرد قراءته.. واقعنا اليوم تتزايد فيه الممارسات الخاطئة بين غش وتزوير ورشوة.. وغيرها من السلوكيات غير السوية ثم يأتي رمضان فنتسابق في ختمة القرآن وكأننا ببغاوات.. قليل منا من يتدبر ويتمعن ويستوعب مضامين القرآن متمثلا في سلوكيات يمارسها في حياته على وجه العموم وليس وفق رؤى تتغير بتغير الموقف والمصالح الخاصة.. لعل رموز العلم بشكل عام يثرون واقعنا ليس بإعلان عدد ختم القرآن بل باكتشاف مضامين ومعاني وحكم فاتت عليه في قراءة سابقة واشتعلت حضورا واعيا في قراءته الحالية.. كتبتُ عن هذا غير مرة وسأكتب عن تسابقنا في القراءة الى ان يأتي يوم نتسابق فيه على الاستيعاب والتطبيق..