×
محافظة المدينة المنورة

تصادم مركبتين يصيب 5 أشخاص بالمدينة

صورة الخبر

* كم مرة فُتنتُ بالبحث عن تفسير لـ(منظومة) الخلَلَ في موقف المواطن الكريم نحو العمل: إقبالاً عليه أو عزوفاً عنه، والأسباب المكيّفة لذلك، سلباً أو إيجاباً ! دينُنا الحنيف بلا ريب يحض على العمل ويحث على الإنجاز المتقن، إذا، فالدين ليس (مسئولاً) عن المواقف السلبية التي نشهدها في مجتمعنا في تعاملنا مع العمل، وخير دليل على ذلك قول الباري تبارك وتعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. وقول رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). *** * وعلى صعيد آخر، كلما تراءت لي صورة الإنسان الياباني الحديث الذي شهد من الويْلات مالم يشهدْه شعب آخر، قديماً وحديثاً، يحاصرني العجب من كل صوب، ثم ازداد عجباً كيف انتفضَ هذا الإنسان العجيب من بين أنقاض (هيروشيما) و(نجازاكي)، وألقى بوزْر الهزيمة وتبعاتها جانباً، ليحوّلَ انكساره انتصاراً يباهي به الشعوبَ، بل ويغزُوها في عُقر دارها : استثماراً وتقنيةً وإنتاجاً! *** * لذا، فلا غروَ أن يفتن الباحثون النفسيون والاجتماعيون بالإنسان الياباني الذي لم يدع هزيمة الحرب الصاعقة لبلاده في منتصف الأربعينات من القرن الماضي تهزم معنويته، بل أيقظت فيه النخوة والعزيمة وحب العمل، فانتصر لنفسه وشعبه كرامةً وحضوراً فارهاً وإنتاجاً! *** * أقول لنفسي أحياناً متأملاً : ما الذي يجعل الإنسان اليابانيَّ، وهو وثنيُّ الملّة، علمانيُّ الهوية، عالميُّ الهوى، يتبوّأُ مكانةَ التفوق الحضاري بين الأمم، متّكِئاً في ذلك على مقاييس أخلاقية وسلوكية تسَيّرها مثاليةُ صارمةٌ، قوامُها الاجتهاد والصبر وتقويم الذات ! في حين أنّ بين أيدينا، نحن المسلمين، ومعظمَ العَربَ، كتابَ الله الذي لم يدعْ صغيرةً ولا كبيرةً من مكارم الأخلاق وقواعد بناء الذات السويّة إلاَّ أحصَاها، وحثّ عليها، وأثْنىَ على من اتّبعها؟! *** * ورغم ذلك، يخفقُ إنسانُنا المسلمُ المشْبعُ بالمثاليات السماوية في ممارسة مثاليّة الدين الحنيف، التي تحضُّ على الجدّ والكدّ والاجتهاد واتقان الأداء طلباً للمعالي ! ألمْ يعلّمنا قرآنُنا الكريم أن نعملَ عملاً صالحاً يرى نتائجَه اللهُ ورسولهُ والمؤمنون ؟! فأينْ نحنُ من هذا كله ؟! لماذا لا تكونُ هذه القيمُ والمثُل مُعْطىً قيّماً لمادة (التربية الوطنية) نزرع من خلالها في أفئدة فلذاتنا فضَائلَ العمل الجاد، أملاً في غدٍ أفضل لهم! *** * لماذا لا نستثمرُ الموروثَ الدينيَّ والأخلاقيَّ لتأصيل القيم الفاضلة التي تُرغَّبُ في العمل، وتُحثُّ عليه، وتدعو إليه، باعتباره امتداداً لصلاح الذات وقوامها، بدلاً من الاعتماد على الرموز المستعارة من ماديّة السوق الاستهلاكي ! فجزء من القيمة الـمُثلى للإنسان الحديث أن يكون (صانعاً) للحضارة، لا (مستهلكاً) لها فحسب ! وأن يحوَّلَّ مُثلّه وأخلاقَه إلى آلية تُثرْى حياتَه، حاضراً ومصيراً! *** * إن لدينا حصاداً ثميناً من المثاليات الدينية والخلقية ومن سِيَر اجدادنا الذين كابدوا الشقاء الواناً وصابروا وصبروا وعاشوا شرفاء رغم شظف العيش وقسوة الزمان والمكان ! تلك هي المثاليات التي تحثّ على الفعل الجميل، تثيبُ فاعلَه، وتَعيبُ تاركَه، لو استثمرناها استثماراً نافعاً، لما وجَدَ معظمُ الوافدين في سوق عملنا مكاناً، إلاّ مَنْ أملت حضورَه الضرورةُ، وَلـمَا أضحتْ (السَّعودة) قضيةً تفتنُ العقولَ وتُرهقُ النفوسَ يوماً بعد يوم ! *** * نعم .. لا غنى لنا عن الوافد، اليومَ وغداً، كشأن كل شعوب الأرض التي تسابق أفعالهُا طموحاتِها، ولا ضيرَ علينا أن نستعينَ بعد الله بمَنْ نشَاء، وفق حاجاتنا (الفعلية)، إنّما الضَّيرُ أن يكون الاعتمادُ على العمالة الوافدة قاعدةً، واللّجوءُ إلى العمالة الوطنية (مجاملةً) واستثناءً ! وذاك وْزرٌ نتقاسمه جميعاً، دون استثناء!