×
محافظة المنطقة الشرقية

عربة الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في “سابك”

صورة الخبر

صنعت فاتن حمامة تاريخها بميزان صائغ، وأزميل نحات، وسيرة ملتزمة. لن نجد أخطاء المبتدئات في هذه السيرة، أو ما يمكن أن يجرح حضورها الاستثنائي. كأن الشاشة تواطأت معها، منذ اللقطة الأولى لتلك الطفلة التي ظهرت في فيلم «يوم سعيد» أمام محمد عبدالوهاب (1940)، في تشييد التاريخ الموازي لممثلة متفردة لا يشبه تاريخ الأخريات من جيلها، حين كانت السينما المصرية وما تزال، تضع شروطها الصارمة في تغيير الجلد الأصلي للممثلة، وخلع «الفضيلة» جانبا، لمصلحة إغواء الصورة، وعطش شباك التذاكر للذة. التواطؤ الجماعي في إنشاء أيقونة حية، أبعدها عن صخب الشوارع الخلفية للسينما ومباذلها، لذلك لم تكن يوما، في موقع الاشتهاء. إنها مجدلية أخرى، وحارسة الأمل التي تعيش بيننا، وتبارك لنا بهجة الحياة برجاحة العقل، من دون أن تلوث ذاكرتنا بآثام الخطيئة. هذا لا يعني أن فاتن حمامة لم تجسد أدوار العاشقة في سينما الغرام، ولكنها لم تسمح لنا بأن نقبض عليها متلبسة بما يتجاوز حدود الحشمة، حتى تلك القبلة اليتيمة في فيلم «صراع في الوادي» مع عمر الشريف، انتهت بزواج دام طويلا. هكذا رسمت السينما المصرية خرائطها بدقة، فوضعت فاتن حمامة في الضفة المضادة لممثلة إغواء مثل هند رستم، في معادلة حاسمة لرجاحة العقل هنا، وسيولة العاطفة هناك. أو المزج بينهما، في أفلام أخرى، كما في «دعاء الكروان»، و«الحرام»، و«أفواه وأرانب» على سبيل المثال. ولكن، ما كانت هذه الممثلة البارعة، أن تنجو من مخالب «مصنع الأحلام»، لولا تلك الموهبة الفذة، وحسن إدارتها، خطوة، وراء خطوة، من دون انزلاقات تطيح البوصلة الصحيحة في خياراتها الصارمة، خلال أكثر من نصف قرن، تجولت خلالها، بين عشرات الشخصيات، وتحت إدارة مخرجين من أجيال مختلفة، لتبقى بصمتها هي، أكثر من توقيع مخرجي أفلامها، نظرا لارتباط مسيرتها بمشروع سينمائي رصين، وليس مجرد أدوار سينمائية متنافرة. لنقل إن فاتن حمامة أسست لسينما قضايا في المقام الأول، بالإضافة إلى تأصيل نبرة إنسانية عميقة تعيد الاعتبار إلى الكائن البشري المضطرب في عاطفته، قبل أن يغرق في متاهة العوز، وقبل أن تصفعه الحياة بما لا يرغب في خسارته، أو فقدانه، كما في «يوم حلو.. يوم مر» مع خيري بشارة، وفيلمها الأخير «أرض الأحلام» مع داود عبدالسيد (1993). بموازاة هذا الرقي في خياراتها، ظلت حياتها الشخصية بمعزل عن الشائعات والاتهامات والأسرار، بما يتوافق مع مكونات الأيقونة التي نسجتها بخيوط من حرير حضورها في الذاكرة الجمعية، من دون أن تغادر الواجهة، رغم احتجابها عن الشاشة منذ سنوات. لعل ما قالته يوما، يختزل صورتها النهائية «حجاب المرأة هو عقلها، وعندما يهترئ ذلك الحجاب، يهترئ معه شرفها، حتى لو تبرقعت بالحديد». هذه نجمة عنوانها الشرف بمعناه الأعمق.