القضية الفلسطينية رهينة محابس كثيرة، فهي نكبة بالمفهوم الواقعي الحقيقي، وجريمة دولية تآمرت على شعب بأرض وتاريخ، لتأتي بأقليات في شعوب، تدين باليهودية، وقيل إنها كانت عبئاً عليها في تلك الملاجئ، لكن مع الإبقاء على عدو إسرائيلي ثابت توزعت ولاءات أحزابها ومنظماتها إلى جبهات عربية مختلفة، بزعم أن التحالف مع أي فئة أو دولة يأتي في خدمة هذه القضية، وخاصة الولاءات المتغيرة من أنظمة عربية رفعت شعارات التحرير باتكاء على قوى دولية خارجية سواء زمن الاتحاد السوفياتي أو الأحزاب والنظم التي اتخذت عداءها من الغرب مجال مزايدة بأنها السبب والراعي والداعم لبقاء الكيان الإسرائيلي، لكننا فوجئنا بهزائم ونكبات أدت إلى التهام أكبر أجزاء فلسطين ما بعد الاحتلال، وأضافت لها مزيداً من الاقتطاع الجغرافي من أراضٍ سورية وأردنية ولبنانية ومصرية تحرر بعضها والباقي لا يزال محتلاً.. المشكل ليس بتلك الدول ومخططاتها وأهدافها، ولكن في القيادات الفلسطينية نفسها التي رغم تجاربها ومشاهداتها لنظم تحررت من الغرب والشرق، لم يستفيدوا من فهم التعارض بين المبدأ الثابت والسياسة، وقد ضاعت في زحمة التقلبات السياسية بأن فقدت تلك الفصائل استقلالها بأن أصبحت أدواتٍ في معامل ومراكز دول عربية وإقليمية ودولية، والمؤسف أنه في بنية هيكل منظمة التحرير الفلسطينية وجد يسار ويمين ووسط ليذهب الجميع لتبعيات تلك الأحزاب والأنظمة ما شكّل مأزقاً حاداً عندما تورطوا في أيلول الأسود مع الشعب والجيش الأردني، ثم صراع الحرب الأهلية في لبنان، وأخيراً تورط حماس في التصعيد الجديد في سيناء، بعد أن خرجت من الولاء لنظام الأسد وإيران لتنتقل للكتف المصرية، لكن المشكلة بدأت تباعد بينها وبين الشعب المصري ذاته فيما قيل عن اتهامات لا ندري تأكيدها بأنها متورطة في الكثير من الأزمات والأحداث، وهو ما كان خطأ استراتيجياً أن تواجه مشكلة مع أكبر دولة عربية هي منفذ غزة الحدودي ما أضر بالحالة السكانية لكل القطاع في فتح أو إغلاق الممرات بينها وبين مصر.. هناك من يحاول ربط سلوك حزب الله بحماس، وهو موضوع جدل جديد، حيث إن حماس تحالفت مع إيران والأسد، وحزب الله، ولكنها بعد الثورة السورية وجدت أن الأمر يتعدى مسألة نزاع داخلي سوري، إلى استهدافها ومخيمات الفلسطينيين وقد حدث ذلك عندما لم يفرق نظام الأسد بين الفلسطينيين ممن كانوا على وفاق معه، أو ضده لتستهدفَ مخيم اليرموك أخطرُ المعارك داخل دمشق، بينما حزب الله مجرد ملحق لإيران قامت عقيدته على مبدأ طائفي تلاقت مصلحته مع العلويين، وكان هذا سبباً في أن يكون مشاركاً فعلياً مع النظام ليزج بكل قوته في حمص وحلب، وهو بذلك ينفذ أجندات تخدم مصالح إيران التي هي القيّم على وجوده وديمومته، بينما اشتراك حماس، لو ثبت ذلك في التورط في الحالة المصرية، يعد تجاوزاً للواقع، وخسارة حادة لمستقبل القضية كلها.. لا أحد يستطيع تفسير الخلاف بين حماس وحكومة فلسطين إلا أنه حالة تجاوزت دور أي منهما في إدارة السلطة، إلى ما يشبه العداء، وهذا بدوره خلق إشكالاً في الداخل الفلسطيني نفسه، أي أن تفكك هذه الجبهة ونزوعها نحو مختلف الاتجاهات أضعف دورها، ليس أمام إسرائيل وإنما على المستوى العربي برمته، وكذلك المجتمع الدولي.. لا أحد يشكك بأن القضية، شاء العالم أو رفض، هي قضية مركزية للوطن العربي والعالم الإسلامي كله، لكن ضعفها وقوتها يقاسان بقدرة قياداتها على تجاوز واقعهم، وهو الإشكال الذي طالما بقي العقدة الأزلية التي استعصت على الحل..