عندما تقرأ القرآن تمر على كثير من قصص بني إسرائيل بدءاً باختيارهم وتفضيلهم على العالمين، ثم بَعْث الرسل إليهم بالآيات والكتب السماوية، وانتهاء بعيسى عليه السلام. وقد كانت دعوة عيسى خاصة ببني إسرائيل من دون الناس. رأوا بأنفسهم المعجزات الواحدة تلو الأخرى وبرغم ذلك كذبوا وعصوا وتولوا معرضين. وتجرأوا بأن طلبوا من الله من الطلبات ما يتأدب المؤمن عن طلبه. فبعد آيات موسى الكثيرة ومعجزاته طلبوا رؤية الله جهرة " وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون"البقرة 55. جاء هذا الطلب بعد أن أنقذهم الله من فرعون وأغرقه في اليم وهم ينظرون. وبعد أن عبدوا العجل، وبعد أن شربوا من النهر وقد نُهُوا عنه. أرادوا مائدة من السماء، ولم يطلب ذلك فُساقهم ولا منافقوهم بل طلبها الحواريون منهم. "إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين"المائدة 112 وبرغم كل تلك الموبقات لم يوصد الله باب رحمته في وجوههم بل غفر لهم المرة تلو المرة. ودعاهم مرارا وتكرارا إلى اتباع الحق ولا يزال باب الدعوة لهم مفتوحاً لدرجة أن من قبل من أهل الكتاب بدين محمد له أجران. يأتي نداء جديد متجدد لهم في القرآن يحاكي النداءات السابقة "يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ"البقرة 40,41 ولا شك أنه تخلل ما حدث مع بني إسرائيل عقاب جماعي فقد أماتهم الله ثم بعثهم، وقد أمرهم بقتل بعضهم بعضا. كما هددهم سبحانه ونتق فوقهم الجبل مرغماً لهم على السجود والطاعة. أي أنه ساقهم إلى رحمته بعد أن أبوا. كل هذا الحلم وكل هذه المغفرة التي ستبقى إلى أن تحين ساعة الموت أو تقوم الساعة ليست مستغربة فهي تأتي من الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، غافر الذنوب جميعا. تلك العبر تدفع المؤمنين إلى الله دفعاً مع حسن الظن به سبحانه. ممتثلين لأوامره مؤدين ما عليهم من حقوق وواجبات. وشهر رمضان فرصة للتحول السلوكي وليس المظهري إلى رحاب الرحمة والمغفرة. ومن هنا تأتي أهمية التوجيه النبوي الكريم. قال صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . قَالَ : إِنَّ الْمُفْلسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَة بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيأْتِي قَدْ شَتَمَ عرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيُقْعَدُ ، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ. رواه مسلم