باختصار جماعات "داعش" لا تملك سوى "الفكرة" المجنونة، والأفعال الوحشيّة والعالم الذي فقد مبادئه. ولو لم تكن منصات الإنترنت: "تويتر" ويوتيوب" تحديدا متاحة بشكل مريب لعناصر التنظيم لبقيت هذه الفكرة المجنونة في مجالها الضيق بشريا وجغرافيا ككل أفكار التطرف والخروج عبر التاريخ الإسلامي. والرصد السريع اليوم يثبت أن أعضاء وأنصار "داعش" يمتلكون أكثر من 10 آلاف حساب نشط على شبكة تويتر وما يزيد على 100 قناة يوتيوب. بل إن واحدا من عناصر الترويج الدعائي للتنظيم "الضال" دشّن حسابه ذا الرقم 91 على "تويتر" بعد إغلاق حساباته التسعين السابقة. وتعتمد استراتيجيّة تنظيم "داعش" الدعائيّة على عنصرين رئيسيين هما: الإرعاب، والإبهار. ففي مجال الإرعاب توسع التنظيم في البحث عن الأقوال الشاذة في ذبح المخالف أو إحراقه واعتمدوا ذلك منهجا. ولكن هذا لم يمنع عناصر التنظيم من التوسع في الاجتهاد بالسحل، والتعذيب، وإلقاء المناوئين في قيعان الأودية وهم معصوبو الأعين أو إطلاق النار عليهم وهم في سياراتهم أو يمارسون أعمالهم في المزارع أو رعي الأغنام بوصفهم من أهل الردّة. أما الإبهار الفني ففيما يعرضه التنظيم من أفلام لعملياته حيث نجد التقليد والمحاكاة التامة مع خدع وحيل هوليوود السنيمائيّة. والسبب في ذلك أن معظم عناصر التنظيم (لم يتخرجوا) من مدارس شرعيّة تؤصل أعمالهم وتهذّب سلوكهم وتصرفاتهم، وإنما (خرجوا) من تأثريات أفلام الأكشن وألعاب البلاي ستيشن والفيديو التي تمكن المحارب من قتل أعدائه وإفناء المدن والجيوش بنقرات الأزرار ومن ثم تسلق الجبل لإعلان انتصاره. والمتأمل في مونتاج فيلم إحراق الطيار الأردني "الكساسبة" رحمه الله يجد أن الروح السينمائيّة الانتقاميّة كانت الغاية الأساس في مرتكزات الفيلم في حين كان التأصيل الشرعي مهزوزا بائسا يعكس روح التنظيم ومحركاته. ولا غرابة فقد دشن هذا العصر المسرحي الاستعراضي للتنظيم زعيمه "البغدادي" وهو يمتطي صهوة التاريخ ويستعرض بأزياء مسلسل "عمر" ليقدم حلقة نهائيّة ترك له رعاة المسلسل وهو يصور خطبته الشهيرة في الموصل معلنا انبعاث "خلافته" وموت المسلمين من حوله. والإشكال العلمي هنا كيف يفلت هؤلاء؟ وكيف يتمكنون من كل هذه الوسائل؟ وكيف لملاحقين أفاقين أن يحصلوا على خدمات الإنترنت ويسرحوا ويمرحوا؟ ومما يعرفه كل ذي خبرة فنيّة متواضعة أن شبكة الإنترنت وخدماتها تسير في مجال المراقبة العالميّة والأمريكيّة على مدار الساعة وأن كل نقرة شاردة على لوحة المفاتيح تفتح سجلا إلكترونيا أبسط معلوماته القدرة على تحديد موقع المستخدم بإحداثيات تبلغ دقتها حدود المتر المربع. تأملوا الدلالات النفسية لتقديس صورة "النار" في الأفلام والصور والبوسترات التي ينتجها التنظيم. تفحّصوا دلالات العبارات المختارة لعناوين أفلام التنظيم والطريقة "الهوليوديّة" في كتابتها وانظروا للمصطلحات التي راجت حولهم في مسائل النساء. كل هذه الأجواء السينمائيّة والمسرحية تكشف بشكل جلي عن سوء المنبت وفساد المرتكزات الفكريّة لهذا التنظيم الذي ولغ في دماء وأعراض الأبرياء منتظرا قصاص الله. * مسارات قال ومضى: إنّها النار.. وأول زادها ذاك الذي جلب الحطب. لمراسلة الكاتب: falshehri@alriyadh.net