"(أخانا) سعد الحميدين، قد أكثر إلحاحه علينا، ولولا أن الله نهانا بقوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر) لكان لنا معه شأن آخر. ماذا تريد أيها الرصيف العزيز.. وماذا يريد قراء "الرياض" من شخص ناف على الخامسة والسبعين، قد أناخ الدهر على ذهنه بكلكله، وأردف بجرانه.. هل يريدون ما أعوج وما اعتدل! إذاً فلست مسؤولا عن كساد جريدتكم الموقرة..، ولكن.. (ما يخالف)". (حسين. سرحان) *** يستعد نادي مكة الثقافي الأدبي في القريب العاجل لإقامة حفل تكريم للشاعر (المكي) حسين سرحان يرحمه الله، وشاعرنا وأديبنا حسين بن علي بن سرحان يعتبر من كبار الشعراء والأدباء في المملكة وخارجها، وقد كان -بالرغم من مكانته العالية وسمعته الشائعة، وتمكنه من الإبداع شعرا ونثرا- زاهدا في الظهور، فقد كانت الصحف جميعا دون استثناء تحاول أن تكسبه ضمن كاتبيها حسب شروطه، ولكنه كان عزوفا عن النشر، ولا يريد أن يلزم نفسه بالكتابة في صحيفة معينة، فهو يريد أن يكون حرا طليقا يكتب متى شاء وحيث يريد فمكانه مضمون وله أن يشترط ما يريد. عندما أسند إليّ الأستاذ تركي السديري رئيس التحرير الإشراف على صفحات حروف وأفكار، والإشراف الثقافي عموما إضافة إلى الزوايا اليومية والأسبوعية، أخذت كعادتي أجوس الساحة الثقافية وأتابع الصحف ومتابعة المتميزين من الكتاب، ومحاولة استكتاب بعضهم بمساندة ودفع من عرابّ (الرياض) الجريدة رئيس التحرير، ولكوني منذ النشأة أحمل الإعجاب المنقطع النظير بشعر ونثر الأستاذ حسين سرحان، ومع قلة ماينشره إلا أنني كنت أجمع مقالاته وقصائده، ولهذا حديث آخر، فقد وُفقت في استكتاب بعض الأقلام المثقفة الفاعلة، ولكن شاعري السرحان الذي يمارس عزلته صعب المراس، وذو مزاج خاص، وقد عملت الكثير من أجل أن نكسبه كاتبا في "الرياض"، وقد وُفقت بأن آخذ موافقته كاتبا متواصلا، وذلك بمساعدة من الراحل زامل السرحان؛ فهو سكرتيره الخاص والخاص جدا نظرا للقرابة والرحم، وملازمته الدائمة له، فكان إذا ذهبت إلى مكة يسهل لي عملية التواصل واللقاء به، فكانت البداية مع باب (7أيام) كل أسبوع يتولى كتابته كاتب واحد من السبت إلى الجمعة، وكان يعود إليه الدور بعد قرابة حوالي شهرين، واستمر لفترة جيدة والسرحان يكتب مواضيع لها نكهتها الخاصة فاقت ماكان يكتبه بعض الشباب، حيث حيويتها وشبابها الدائم، فتوعك وانقطع، ولما شُفي عاودت الطلب، فعاد يكتب أسبوعيا زاوية تحت مسمى (ريش متناثر من جناح طائر) وكانت لها سمعتها ومتابعوها إلى أن توفاه الله وكانت آخر مقالة كتبها ونُشرت في "الرياض" بعنوان (فيصل بن عبدالعزيز) في 8/11/1413 هجرية. لقد كان السرحان بعيدا عن الأضواء ومع ذلك كان هناك من يحتفظ بمقالاته ويعتز بها ويحرص عليها. ومنهم د. عبدالله حسن العبادي، وأخوه على حسن العبادي، وقد جمع له الشيخ حمد الجاسر ديوانه الأول (أجنحة بلا ريش) إلا أن الباحث علي حسن العبادي عندما كان رئيسا للنادي الأدبي بالطائف كرر العملية، فأصدر له ديوان (الطائر الغريب)، وديوان (الصوت والصدى) وكان قد سبقهما بإعادة طباعة ديوانه الأول (أجنحة بلا ريش) وقد أصدر د. يحيى بن جنيد (مقالات حسين سرحان) بجهد خاص، ولم تتوقف هذه الجهود لملاحقة الشاعر الزاهد والفيلسوف المبدع، وكان احد الطلاب بجامعة الملك سعود قد قدم عنه رسالة ماجستير أشرف عليها د. أحمد كمال زكي، وناقشها د. منصور الحازمي، ود. نذير العظمة، وكانت بعنوان (شعر حسين سرحان: دراسة نقدية لأحمد عبدالله صالح المحسن) صدرت عن نادي جدة الثقافي -توفي كاتبها قبل طباعتها-، ولكن الباحث الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري عمل جهدا كبيرا حيث أصدر (آثار حسين سرحان. الشعرية والنثرية) في ثلاثة مجلدات عن نادي الرياض الأدبي، وقد طُبعت على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود، ظهرت في طباعة أنيقة ممتازة. السرحان لم يصل إلى هذه المكانة التي أهلته ليكون محط الأنظار إلا لكونه كان صادقا مع فنه، متابعا للاستزادة وقد كان يطلب وهو في آخر أيامه الكتب، والمجلات، والدوريات لكي يوفرها في مكتبته، وهي عامرة بالكتب الكثيرة المتنوعة. إنها التفاتة متميزة من نادي مكة، فتكريم الرموز أحياء أو أمواتا يجب أن يكون عادة تتبعها الأندية والجهات المختصة وخاصة وزارة الثقافة والإعلام "وكالة الثقافة"، فلدينا رواد رحلوا ونسيناهم بينما الأمم الأخرى تتذكر روادها سنويا وتحتفل بهم إحياء لذكراهم، فهناك المئويات التي يعلن عن إقامتها بين حين وآخر في شتى بقاع العالم.