عندما تتخطى المشاعر ألاف الأميال.. محلقةً نحو السماوات .. متعديةً حدود الكون.. مخلدةً حباً أبدياً يعتلي كل السبل البشرية ، يتبادر لأذهاننا فوراً حكاية الحب السماوي لـ "مي و جبران" اللذان لم يلتقيا في العالم المادي بل جمعهما العالم الفكريو الروحي. فبداية القصةعام 1912معندما أنهت مي زيادة الفتاة اللبنانية المقيمة في القاهرة قراءة رواية للكاتب اللبناني العالمي جبران خليل جبران والمقيم في مدينة نيويورك ، كانت مي مأخوذة بكلمات جبرانالتي سحرتها ، ففكرت أن ترسل له ديوانها الشعري " أزهار حلم" والذي كتب باللغة الفرنسية وتحدثه عن نفسها و بعض مقالاتها وخاطبته قائلة :((إننا في الشرق نتلقى أدبك بفرح غامر ، تدهشنا لغتك المفعمة بالحيوية والخيال ، و تمتعنا عوالمك الجميلة)) ، فعلت مي ذلك رغبة منها لكسبه صديقاً أديباً يشاطرها الحوار لفتح أفاق جديدة في عالم الأدب . استقبل جبران رسالتها بفرح ، وكتب إليها مشجعاً استمرار المراسلة ،فكلاهما يمثل للآخر صوت الوطن والأحلام، ويلتمس من خلال الكلمات الانعكاس الروحي الجميل الذي يران بعضهما فيه. حاولت مي مراراً وتكراراً أن تكبح جماح عواطفها وتتوقف عن المراسلة، لكنها مع كلمات جبران لم تستطع غير أن تستسلم و تهدم أسوار قلبها لتهب جبران مدى الحياة، فكلما قرأنا رسائلهما أحسسنا بحياة الكلمة النابضة بالصدق وشعرنا بالحب الذي يشبه الطقوس الصوفية بتخطيه حدود الزمان والمكان والحواس لتتحد فيه قوة الحب العظيم بقوة الوجود واللقاء الأثيري. استمر ذلك التواصل الفريد ما يقارب العشرين عاماً ، رغم استحالة اللقاء لم تفكر مي بالزواج فروحها معلقة في أقاصي الغرب ، وجبران كانت حالته الصحية ضعيفة مما جعلها دائمة القلق عليه ، عندما توفي جبران عام 1931م تدهورت مي صحياً ونفسياً حتى أنها أدخلت للمصحة النفسية وخرجت منها لتعتزل العالم ممسكة بيدها صورة لجبران كتبت خلفها بخط يدها ((وهذه مصيبتي منذ أعوام)) ،تزداد حالة ميّ سوءاً وتفارق الحياة عام 1941م. "سيدتي" تتناولبعض الاقتباسات من الرسائل التي شهدتها قصة الحب السماوي بين مي وجبران.. • ((لتعش ميّ طويلا فهي ذات مزاج فني لا غش فيه " الخلاصة أنني سأسبقك في كتابة مقالة , في ابتسامة أبي الهول ! وبعد ذلك سأنظم قصيدة في ابتسامة ميّ ولو كان لدي صورتها مبتسمة لفعلت اليوم , ولكن عليّ أن أزور مصر لأرى ميّ وابتسامتها)). "جبران" • (( أعرف انك " محبوبي " , وأني أخاف الحب , أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير الجفاف والقحط واللا شيء بالحب خير من النزر اليسير ,كيف أجسر على الإفضاءإليك بهذا , وكيف أفرّط فيه ؟ لا أدري ,الحمدللهأني اكتبه على ورق ولا أتلفّظ به))."مي" • ((غابت الشمس وراء الأفق ومن خلال الأشكال والألوان حصحصت نجمه لامعه واحده هي الزهرة ,, أترىيسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون ؟ ربما وُجد فيها من هي مثلي , لها جبران واحد)) "مي" • ((تقولين أنك تخافين الحب ! لماذا تخافينه ؟ أتخافين نور الشمس ؟ أتخافين مدّ البحر ؟ أتخافين طلوع الفجر ؟ أتخافين مجيء الربيع ؟ لماذا ياترى تخافين الحب ؟ أنا أعلم أن القليل في الحب لايرضيكِ , كما أعلم أن القليل في الحب لايرضيني , أنتِ وأنا لا ولن نرضى بالقليل , نحن نريد الكمال ..الكثير , كل شيء !لاتخافي الحب يا رفيقة قلبي , علينا أن نستسلم إليه رغم مافيه من الألم والحنين والوحشة , ورغم مافيه من الالتباسوالحيرة)). "جبران" • ((كالنهر الرحيق الذي يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي أحلامي , بل كقيثارة التي تقرّب البعيد وتُبعد القريب , وتحوّل بارتعاشاتها السحريةالحجارة إلى شعلات متقدة , والأغصان اليابسة إلى أجنحه مضطربة)). "جبرن في وصف رسائل مي"