بعثت لي زميلة أمريكية تقول: لا تنفك أخباركم تملأ العالم هذه الأيام. يبدو أنكم تستحقون كل هذه الأهمية وبالطبع معزية في وفاة ملكينا الراحل ومهنئة بقدوم مليكنا الجديد الملك سلمان أعانه الله ومنحه الصحة والأمن والاستقرار الذي سيساعده على تحقيق مهماته الجليلة. تحدد جملة الزميلة في الحقيقة طبيعة علاقة المملكة العربية السعودية بالعالم الخارجي والاهمية الكبرى التي تحتلها المملكة على خريطة العالم، ولعل الانتقال السلس للسلطة أثبت مجددا قدرة الدولة السعودية (الثالثة) على تخطي الصعاب التي تنبأت بسيناريوهاتها المختلفة عشرات آلاف من المقالات التي كتبت في الدوريات الأجنبية خلال العقد الماضي. ولعل السرعة التي تم بها إعلان الكثير من القرارات (التي بلا شك درست طويلا داخل أروقة صنع القرار قبل إعلانها) إنما أراد إعطاء الانطباع بدولة تعرف أين تضع أقدامها كما ينبئ إن شاء الله عن انتهاء أو على الأقل (تقليص) (مرض البيروقراطية المزمن) الذي أعجز الجهاز الحكومي المترهل وأصاب كل مفاصله بروماتيزم مؤلم يمنع المشرفين والعاملين فيه من اتخاذا اية قرارات بسبب كثرة الأنظمة والقرارات الداخلية والمؤسسية مما أدى الى أمراض أصابت هذا الجسد مثل الخشية من المحاسبة بالتزام عدم المبادرة وتقلص روح الابداع والدافعية وضياع أهداف الاعمال والبرامج المقامة نتيجة الغرق في تلبية طوفان التفاصيل الإدارية المطلوبة؟! ولكي يتصور أي منا حجم الأهمية التي اتخذتها الإدارات المختلفة في المؤسسات العامة على حساب الأهداف التي أقيمت من أجلها فلينظر مثلا في طبيعة التصميم الجغرافي لهذه المؤسسات حيث تحتل الإدارات دائما الصدر من كل مبنى ويبقى المتلقون للخدمات والمنفذون لها في الخلف، كما تستهلك هذه الإدارات نصبيا كبيرا من الميزانيات المخصصة غير ما تحتله من أضواء دون أن يسأل أي منا؟ أين أصحاب الشأن المعنيون بهذه الخدمات أصلا وأين موقعهم علي خارطة هذه المؤسسات؟ (أرجوكم فكروا في هذه النقطة (الموقع الجغرافي والحجم والهيبة والرخام وعدد الأبواب وحجمها الخ عند دخولكم أية وزارة أو هيئة أو جامعة)! (وبالمناسبة هناك العديد من الكتب التي تتحدث عن ثقافة الأمكنة ودلالاتها الثقافية والرمزية! ألم اقل لكم ان تخصص اجتماعيات التربية من أجمل التخصصات الفلسفية!) ماذا نخشى؟ حرب التصنيفات التي تضع الولاءات الأيدلوجية والشخصية في قلب القرار كما يثرثر الكثيرون عن ذلك عبر أجهزة التواصل الاجتماعي. القناعات الفكرية ستظل عند كل أحد وهذا نتاج طبيعي للتعلم والعولمة وهذا في الحقيقية رمز لحيوية فكرية بدل القبول والتسليم بالقوالب الاجتماعية الجاهزة لكن الوطن يتسع للجميع بل وللتعبير النسبي عن أفكارهم ضمن منظومة وطنية عمادها اثنان: الوطن أولا ثم التعبير السلمي عن هذه القناعات والالتزام بذلك محليا وعالميا. ستساهم القرارات التي أعلنت من حيث الإفراج عن سجناء الحق العام في لم شمل الكثير من التناقضات كما سيغلق ملفات أرهقت بلادنا عالميا وأحدثت ضبابية غير مبررة على كثير من إنجازاتها ليركز الاعلام العالمي على هذه الهنات مقابل عقود من الإنجاز والتميز. فلا وقت لدينا لنضيعه في هذه المهاترات التي تجاوزها الزمن. العناية بالمواطن من ذوي الدخل المحدود كما فعلت هذه القرارات (للضمان الاجتماعي وجمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة) يجب ان تبقى أولوية دائما وأظنها ستبقى نظرا للخبرة الطويلة التي عايشها الملك سلمان من خلال دوره الخالد في إمارة منطقة الرياض على مدى عقود مكنته من تلمس احتياجات المواطنين المباشرة.وفي هذا الإطار تمنيت لو كان راتب الشهرين الذي أعلن عنه والذي طبعا فرحنا جدا به وأولهم (اولادي!) كانت وضعت ضمن نسب محددة فمن يقل راتبه عن 5000 لن يحصل من خلال راتب شهرين مثل ما يحصل عليه وزير! ماذا نأمل؟ سياسات تترجم على أرض الواقع (من خلال توزيع برامج التنمية وتكافؤ الفرص التعليمية والوظيفية والمالية الخ) لتؤكد مبدأ تكافؤ الفرص بين كافة أبناء هذا الوطن والحق في التمتع بالخدمات الوطنية تعليمية ووظيفية واقتصادية بغض النظر عن الأصل أو المنشأ أو اللون أو الانتماء القبلي أو المذهبي أو العلاقات القرابية والاجتماعية أو الثروة أو القرب من صانع القرار أو البعد عنه. ماذا نتمنى؟ أن تبقى الدولة السعودية الثالثة رمزا لاستقرار هذا الوطن وعزته من خلال تطوير الأنظمة العامة ومنظومة الحقوق الإنسانية والوطنية والسياسية بتحديث نظم المشاركة العامة وحماية الرأي وحقوق الإنسان ضمن آليات معاصرة كما تتيح الشفافية والمراقبة لطرق استثمار وصرف المال العام تكون واضحة للجميع. نتمنى دورا أكبر للمرأة السعودية التي أكد الملك سلمان حضورها العلني بمباركة نساء الشورى له وقدومهن لتعزيته وتهنئته. المرأة السعودية اليوم نموذج مختلف تماماً عن عشر سنوات سابقة. هناك أكثر من 38 ألف فتاة سعودية تدرس في الخارج وهن فعلا يصنعن معجزات في المؤسسات التعليمية والمهنية المختلفة حول العالم لم نعرفها قبل. يجب أن نعد بيئة حاضنة لقدرات متميزة علمياً وفكرياً ستعود للوطن، وذلك من خلال التعامل معهن ضمن شروط العصر الحاضركمواطنات كاملات الأهلية والحق في التمتع بكافة ما يتيحه هذا الوطن علميا ووظيفيا وسياسيا وعلينا (وبالتدريج ومن خلال تثقيف الجنسين وخاصة الرجال) أهمية التأكيد على الحق الإنساني للمرأة كإنسان ومواطن كامل حتى لو اختلفت الوظائف والواجبات بين الجنسين.