وصلنا في تحليل موقف صاحبتنا التي لم تقم بعملها الذي وافقت على القيام عليه مع زميلاتها في إنجاز مشروعهن الدراسي إلى أن ذلك ربما كان بسبب أن هذه الإنسانة أنانية. أنانية بمعنى أن قراءتها للمشهد ذاتية بحتة. قراءتها كانت كالتالي: لقد حصلت على الدرجات المطلوبة بدون أي مجهود، إذن أنا أشعر بالرضا والارتياح. مهمتنا هنا في هذه المقالة أن نحاول أن نفهم أكثر معنى الأنانية ودلالتها الأخلاقية. من المعاني الأساسية في السلوك الأناني أو على الأقل من جهة تفسيره من خلال دوافعه أنه سلوك مدفوع بحب الذات. هذا صحيح ولكنه برأيي غير كافٍ لتمييز الأنانية عن غيرها. حب الذات دافع لغالب سلوك البشر، ولكنه لا يتعارض مع العمل التعاوني وتقديم المساعدة للآخرين. بالتأكيد هناك أطروحات تقوم على أن كل السلوك الإنساني نابع من حب الذات. بمعنى أنه حتى أعمال الخير أو التضحيات الفردية يقوم بها الناس لأن لها مردودا مرضيا عليهم. غاندي على سبيل المثال يمكن تفسير سلوكه في مقاومة الاستعمار والوقوف ضد الانقسامات الداخلية بين سكان الهند كشكل من أشكال البحث عن الصفاء الداخلي والتصالح مع ضميره الأخلاقي. هذا المردود الفردي فعلا لا يمكن استبعاده بمعنى أنه من الصعب العثور على سلوك يقوم به الفرد لا يلبي لديه أي غاية أو هدف شخصي. بهذا المعنى لحب الذات لا يمكن أن نفسر سلوك صاحبتنا في المثال أعلاه. كل زميلاتها بهذا المعنى لديهن حب للذات، ولكن هذا لم يمنعهن من المشاركة الجماعية والتعاون مع الآخرين. حب الذات إذن لا يفسّر لنا الأنانية، لأنه موجود في السلوك الأناني وغير الأناني. للتعرف على ظاهرة الأنانية أكثر لا بد أن نتذكر أن وصف الأنانية هو وصف غالبا ما يطلق من أطراف خارجية ولا يطلقه الفرد على سلوكه. بمعنى أنها حكم خارجي من طرف خارجي ولكنه مرتبط بالسلوك ومتأثر به. مهم أيضا أن نتذكر أن الحكم بأنانية السلوك من قبل الآخر هو حكم سلبي. بمعنى أن الآخر منزعج من تأثره بسلوك أناني. أعتقد أننا هنا أمام نقطة أساسية لفهم الأنانية كعلاقة. بمعنى أن الأنانية هي شكل من أشكال العلاقات بين الناس نعرف حتى الآن أنها مرضية لطرف ومزعجة لطرف آخر. لذا يمكن القول هنا إن الأنانية هي علاقة ينطلق فيها أحد الأطراف من حسبته الذاتية ويهمل فيها حسبة الطرف الآخر. بمعنى أن الأنانية ليست فقط انشغالا بالذات بل انصراف عن الآخر. الانصراف هنا لا يعني اختفاء الآخر من نظر الأناني ولكن حضوره فقط داخل الحسبة الذاتية. نلاحظ هنا أن الآخر ليس غائبا عن وعي الإنسان الأناني، لو كانت الحالة كذلك لما كانت هناك علاقة أصلا ولا أنانية، لكنه غائب كطرف مساوٍ. بمعنى أن الآخر في العلاقة الأنانية حاضر ولكن بدرجة أدنى بكثير من حضور الذات. الآخر في العلاقة الأنانية يحضر للاستعمال الذاتي. الأناني ينظر للآخر على أنه شيء يمكن استعماله لمصلحته الخاصة. هذه الصورة يمكن أن تشرح لنا الشعور السلبي الذي يشعر به الطرف الآخر في علاقته مع الأناني. بمعنى أنه يرى أنه يتم استعماله من طرف آخر. تحويل الإنسان إلى شيء للاستعمال مؤذٍ للكثير. بمعنى أن غالب الناس يطالبون في علاقتهم بالعدالة أي بالحضور المتكافئ لدرجة إدراك إنسانية الإنسان. من هنا نفهم المبدأ الأخلاقي عند الفيلسوف كانت "عامل الإنسان كغاية لا كوسيلة". لا أظن هذا يكفي لفهم موقف صاحبتنا في المثال أعلاه. بمعنى أنه لو كانت تريد استعمال الآخرين لتحقيق نفعها الشخصي لكان هذا لا يتناقض بالضرورة مع موافقتها على استعمال زميلاتها لها لتحقيق أغراضهن الشخصية. هذه العلاقة متداولة ولا تزعج الآخرين. سأستعملك وأنت تستعملني بدون شعور بالمظلومية. مثلا علاقة الزبون بالبائع تدخل في هذا السياق. الزبون ينظر للبائع على أنه وسيلة يحصل من خلالها على غرضه وكذلك البائع. هذه علاقة متبادلة وغير مزعجة. الأنانية إذن تعني استعمالا من طرف واحد فقط. الأناني يقول للآخر "سأستعملك ولن أسمح لك باستعمالي". هذه الصيغة الأخيرة ربما تكشف أكثر الأبعاد الإشكالية في سلوك الأناني. الإشكالية الأولى هي علاقة الاستعمال ذاتها. هذه تظهر في من نتوقع أنه يمكن أن يكون صديقا. أي من نتوقع أن علاقتنا معه تتجاوز علاقة الاستعمال. لذا الأناني يسبب خيبة أمل كبيرة عند من يرتبط معهم. في المراهقة، في بحثنا الصادق عن صديق، نشعر بخيبة أمل من أولئك الذين ظننا أنهم أصدقاء واكتشفنا أنهم مجرد أصحاب مصالح يريدون تحقيقها من خلالنا. البعد الثاني لأشكال هذه العلاقة أن صاحبها واعٍ بها بدليل أنه يهرب منها إذا وقعت عليه. بهذا المعنى فالأناني يظهر كشرّير ومعتدٍ. يظهر كفاعل واعٍ ومختار لعمل مؤذ للآخرين. لذا فنحن نغفر أنانية الأطفال بسبب جهلهم وعدم إدراكهم لآثار سلوكهم على الآخرين. لكن حين نتجاوز الطفولة تصبح الأنانية خطيئة أخلاقية كبيرة قرينة للبخل والخبث وباقي الخطايا. هذا الحديث يحفزنا للحديث عن علاقة الأنانية بالعدالة وأثر الأنانية على مبدأ التعاون وهو المبدأ الأساسي في تشكيل أي مجتمع.