ذات يوم عندما كنت صغيرًا هبت على أجواء المدينة المنورة رياح تشم منها رائحة المطر الذي لا يزال محمولًا في رحم السحاب، والسحاب بقدرة الله يركض به ويجري من مكان إلى مكان في أجواء السماء وما هي إلا لحظات حتى يفرغه ماءً تتقاطر حباته هتانًا في البداية ثم يشتد نزوله فينصب صبًا، مبشرًا برحمة الله(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ)، بعدها بأيام تزدهر نواحي المدينة المنورة بالخضرة ويغدو وجهها مغسولا بماء السماء، وفي وسط المدينة يصحو سيل أبو جيدة من نومه وتتدفق مياهه، وتستيقظ عروة (وادي العقيق) من السبات الجاف وتمتلئ رئتاه بالماء الزلال، وتعود الحياة لبحيرة العاقول فتنتفخ طينته وتتكاثر كائناته، وعندها يتأهب أهل المدينة للنزهة فيولون وجوههم إلى تلك الأماكن حيث الربيع الأخضر الذي حل في نواحيها، براريها وجبالها وواديها، ومن ذلك سفح جبل أحد، وكنا نذهب بصحبة العائلة إلى هذا الجبل المبارك الذي قال عنه عليه السلام في الحديث الصحيح: (أحد جبل يحبنا ونحبه) وكنا صغارًا نسرح ونمرح على ظهره نجمع الحميض ولوز النبي وهي نباتات برية تؤكل، ونتسابق إلى صعود نواحيه السفلى وشيء من الحجارة الخفيفة تتساقط، إننا فعلا نحبه لأن فيه من أثر الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث عليه ارتقى ومشى وفيه من الأثر نظرة النبي إلى الحجر، وقد وقفت يومًا مع أحد المتخصصين في تاريخ المدينة وهو يشير إلى مواقع معركة أحد خاصة جبل الرماة وكان يقص علينا أحداث المعركة وكأننا نراها رأي العين وما حدث للرماة والمسلمين من ابتلاء خاصة رسول الله الذي كسرت رباعيته والصحابة ينافحون عنه، ورأيت الصخرة التي كان يختبئ خلفها وحشي لقتل أسد الله حمزة بن عبدالمطلب، ثم اقتربت إلى حيث قبور الشهداء أصحاب رسول الله حمزة ومصعب بن عمير وعبدالله بن جحش وسلمت عليهم وقلت إنها ذكريات جبل أحد. أما الجانب الآخر الذي يذكرني بأحد فهو ثانوية أحد حيث هي ثاني ثانوية تنشأ في المدينة المنورة قبل أكثر من خمسة وأربعين عامًا فهي ثانوية الأجيال المتعاقبة، وكان موقعها في منتصف طريق سيدنا حمزة (طريق سيد الشهداء) قريبًا من جبل أحد وبالقرب من مسجد المستراح، وبجوار هذا المسجد الذي صلى فيه رسول الله كانت والدتي رحمها الله تسكن بعد أن جاء الهدد على بيتنا القديم وضم لتوسعة الحرم، وفي فناء ثانوية أحد كان النشاط والحيوية والشباب، كانت الثقافة حاضرة والتنافس قائمًا، كان عيسى الراوي وأسامة تونسي وأسامة خليفة وأحمد بخش يصبحون علينا من خلال الإذاعة، وأتذكر زيارة الشيخ علي الطنطاوي للثانوية وإلقاء محاضرة فيها، وكانت الرياضة والألعاب الرياضية من سماتها، وإذا جد الجد ودخلنا الفصل تجد أمامك أساتذة كبارًا تعليمًا وقدرًا:علي يوسف، الخطيب، نجيب، مهل، فاضل، المطوع، النبوي عبدالواحد، محمود شعبان، غالب، زكريا، الطيطي، سليمان وغيرهم كثير ممن علمونا وكان لنا معهم شرف التعلم على أيديهم في تلك المرحلة الثانوية، وكان لنا الشرف أن نكون من الدفع الأولى من خريجي ثانوية أحد وقد زاملني مجموعة من الأفاضل أذكر بعضًا منهم مما تسعفني بذكرهم الذاكرة وليسامحني بعض من نسيتهم، فمنهم حمد العويد وجمال الحارثي وابراهيم ملا ومحمد سعيد المغامسي وأكرم السقاف وسالم بيتي وعبدالله الدربي وعصام البسام وعبدالله الوقيصي وفهد العساف وسهل حفظي ومحمد سعد قاضي وعلي الشريف وغازي سلامة وعمار رشوان ويوسف نصار واحمد الهاشمي وعبدالمحسن التركي وصالح خلف ومحمد اول وعبدالعزيز اسلام وعبدالعزيز ابوسيف وحاتم بري ومحمد كردي وعبدالرحمن كشناوي ومحمد امين جراح وصالح الردادي وعبدالرحمن محروس وعبدالرحمن لآل ومحمد جبر وعبدالرحمن برازي وبكر الاخضر وزكي محلاوي وعبدالله مهل وجمال خليفة ومحمد خريجي ومحمد عوض وموفق عبدالعال ومصطفى شناوي وصلاح ملا وعبدالرحمن افغاني.