المرحلة التي نعيشها الآن في المنطقة على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية، مليئة بتحولات واستحقاقات مختلفة عما واجهته دول المنطقة من قبل. وبالتالي هناك عدة قراءات وصلت محصلتها إلى نتيجة واحدة في أن المشهد يتبلور ويسير إلى حال لا يمكن التنبؤ بوضعها. على ان الحقيقة المرة هي أن العرب هم من يتحملون سبب إخفاقاتهم غير غافلين بالطبع التأثير الخارجي الذي ساهم بدور ثانوي، لكنهم يستخدمون طرقاً وأساليب ماكرة في تبرير فشلهم المتكرر، وإلقاء اللوم على الآخرين من خونة وعملاء، وأنها المؤامرات وأجندة الاستعمار ومخططاته... الخ. الحقيقة أن الأيديولوجيا لهذه الحركة أو تلك كانت السبب الرئيس لبروز تلك الحالة، ولعل من عاصر واحدة من تلك الأيديولوجيات التي عادة ما يطرحها القوميون والبعثيون والشيوعيون، يجد أن طروحاتهم لا تختلف عن الفاشية أو فلسفة النازية، لارتباطها بالدكتاتورية، بدءاً بمشروع القومية العربية، ومروراً بأفعال حزب البعث الدموية في العراق وسورية من قتل وتعذيب وانتهاء بالشيوعية التي لفظت أنفاسها مبكراً، ناهيك عن شعارات الإسلام السياسي الذي لم يسلم هو الاخر من التوظيف حيث قاموا بأدلجته سياسياً. ولعل المشهد السياسي لا يحتاج لتعليق، فمثلاً شاهد ما يحدث في لبنان إزاء الاستحقاق الرئاسي، هناك مرحلة الفراغ الدستوري بخلو منصب الرئاسة. وتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الإشكالية المزمنة للقرار السياسي اللبناني لا بد وأن يغلب عليها التأثير الخارجي، وبات اللبنانيون يتساءلون عمن عطّل المؤسسات الدستورية؟ وخطّط للوصول إلى هذه المرحلة برفض أي شخصية توافقية؟ وكيف أن طرفاً واحداً في لبنان يُدخل البلاد في أزمة جديدة ومنعطف خطير؟ الحقيقة المرة هي أن العرب هم من يتحملون سبب إخفاقاتهم غير غافلين بالطبع التأثير الخارجي الذي ساهم بدور ثانوي، لكنهم يستخدمون طرقاً وأساليب ماكرة في تبرير فشلهم المتكرر، وإلقاء اللوم على الآخرين من خونة وعملاء ويبدو أن المسألة تتجاوز موضوع منصب الرئاسة إلى ما هو أبعد من ذلك، فما يحدث ما هو إلا شرارة باتجاه تحويل ساحة لبنان ممراً لحلول إقليمية، وملعباً للتجاذب والاستقطاب. ورغم أن الحل يكمن في الحوار والتوافق وتقديم التنازلات وتغليب مصلحة لبنان على المصالح المذهبية والفئوية والحزبية، لكن أجندة القوى الإقليمية، وتحديداً إيران ونظام الأسد هما من يعقد المشهد ولا يرغبان في الحل، ما يعني أن الأزمة ستلقي بظلالها سلباً على مقدرات البلد. أما العراق فكنا في الماضي نخشى على العراق لأنه كان مسلوب الإرادة والسيادة وأصبح المشهد برمته مأزوما وملغوما، سماء العراق ملبدة بغيوم القتل الجماعي اليومي والتدهور الاقتصادي، وفي ظل غياب توافق عراقي وطني يستقطب الأغلبية العراقية حوله بكل تكويناتها العرقية والاثنية بسبب تناحر حكومة المالكي آنذاك مع بقية مكونات الشعب العراقي إلى حد مرحلة كسر العظم. لكن الامل الان معقود على العهد الجديد وبالعمل المؤسساتي في ان يصار الى إعادة تشكيل الجيش العراقي على أساس عقيدة وطنية جامعة وشاملة. والتوقف عن دعم الأسد والغاء سياسة الاقصاء الطائفي وعدم السماح لإيران بالهيمنة على القرار السياسي العراقي. ان دقة المرحلة تقتضي من العراقيين ان يغلبوا مصلحة العراق على المصالح الفئوية وان يكون قرارهم مستقلا وليس مرهونا لاحد. وهذا اليمن الذي أصبح محتلا من جماعة فوق القانون والدولة وقامت بانقلاب على الشرعية واستولت على مقدرات البلاد ودفعت الرئيس الشرعي للاستقالة وأصبح اليمن يعاني من فراغ دستوري وغياب للسلطة وفوضى مقلقة في ارجاء الدولة وبات الشعب اليمني ضحية تصفية حسابات بين أطراف عدة. كما أن المصالحة الفلسطينية لم تلبث أن طرأ الخلاف عليها بعدما توصل الطرفان لاتفاق، وحدث ما خشيناه كالعادة من انقلاب الحال وفعلا عادت الاسطوانة المشروخة وأسلوب التخوين، والتراشق الإعلامي، والتوقعات تشير بان التدخل الخارجي سبب رئيس في عرقلة الملف الفلسطيني ما يهدد القضية وتأثيرها في الساحة الدولية. ولذا من يتأمل المشهد السياسي في كل من لبنان وفلسطين والعراق واليمن، يلحظ ان ثمة قواسم مشتركة ما بينها من خلال تكريس سياسة المحاور والاحلاف التي تتدخل في شؤون تلك الدول. ولكي نوضح بعبارة ادق نقول انه بدا واضحا أن ثمة محوراً رئيسياً في المنطقة قد استعاد نشاطه وتدخلاته لعرقلة العملية السياسية في هذا البلد أو ذاك، بزعامة طهران ودمشق وحزب الله وجماعة الحوثي، وما انفكوا يحاولون توسيع نطاق الصراع وتوريط دول أخرى في المواجهة، ما جعل التنبؤ بالمسار الدقيق للأحداث مستحيلاً، ما يعني ان الملفات الملتهبة في المنطقة تسير كما يبدو باتجاه الأسوأ نظراً لتعقيدات أوضاعها الداخلية من ناحية وعودة تدخلات المحور المتشدد من ناحية أخرى. هذا المحور الذي يدفع باتجاه التصعيد لزعزعة استقرار الإقليم، مستغلاً نفوذه في تلك الدول ومستخدماً إياها كأوراق للمساومة والمقايضة في مفاوضاته مع الغرب والذي بدوره عزز هذا السلوك سواء بقصد أو بدونه! صفوة القول: المتأمل لما يجري يجد ان العرب منقسمون فيما بينهم بينما إيران تهيمن على قرارات أربع عواصم عربية (بيروت، دمشق، بغداد وصنعاء) والصراع العربي - الإسرائيلي لا زال يراوح في مكانه، في حين ان تركيا أردوغان تسعى باستعادة بعض النفوذ الذي خسرته، وهذا كله يدور ضمن سياق دولي دائم التحول، مع تراجع قوة الولايات المتحدة وتصاعد القوى الشرقية، والعرب من كل ذلك غائبون او مغيبون لا فرق!