تناغمت القرارات الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مع واقع القناعة والقبول والطموح المحلي للنهج المستقبلي للسياسة الاقتصادية والتنموية، وذلك بعد الإعلان عن تشكيل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي، برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع، وهي رؤية وتوجه تطبيقي عملي لمرحلة ونهج وتطبيقات الاقتصاد المعرفي، بالتزامن مع تنويع مصادر الدخل وتشجيع الإبداع والابتكار، وتسارع التوقيت الزمني للإنجاز مع الجودة النوعية، وكذلك العمل على ربط وتواصل المنظومات الحكومية ذات العلاقة بالاقتصاد والتنمية، مع الأخذ بعين الاعتبار التهيئة والتأسيس لروافد مالية جديدة، في ظل ما تشهده المملكة العربية السعودية من مرحلة نمو وزيادة مطردة لعدد السكان، وكذلك زيادة الاستهلاك وتسارع في الطلب على الطاقة والموارد والثروات الطبيعية. لقد أفرزت التطورات البيئية في العقود الأخيرة وجود فرع جديد من فروع العلوم الاقتصادية (علم اقتصاد البيئة)، وهو العلم الذي يقيس بمقاييس بيئية مختلف الجوانب النظرية والتحليلية والمحاسبية للحياة الاقتصادية ويهدف إلى المحافظة على توازنات بيئية تضمن نموا مستداما. ويتناول اقتصاد البيئة الكلي مشاكل البيئة على مستوى الاقتصاد ككل، ومن أهدافه الوصول إلى مستويات أعلى من الرفاه الاجتماعي المستدام الذي يأخذ في الاعتبار المحافظة على نوعية البيئة عند مستوياتها العليا. ولقد ساهم مفهوم «التنمية المستدامة» في ظهور فلسفة تنموية جديدة تضع في عين الاعتبار محدودية الموارد البيئية الطبيعية وحدود قدرة الأرض على تحمل مصادر الاستنزاف من ناحية والتلوث والتدهور البيئي من الناحية الأخرى، حيث تستند التنمية المستدامة إلى مجموعة من المبادئ أهمها مبدأ الاحتياط الذي يتصف بميزة التوقع، وهو بذلك موجه كليا أو جزئيا نحو المستقبل، مبدأ المشاركة الذي يسعى إلى شراكة جميع الفاعلين في مجال إدارة وحماية البيئة من سلطات إدارية مركزية ومحلية ومجتمع مدني وقطاع خاص، بالإضافة إلى مبدأ الدمج الذي يفترض اعتماد القياسات البيئية كجزء من المعطيات التي يتم بناء تصميم خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية عليها، وكذلك مبدأ الملوث الدافع الذي يهدف إلى تحمل التكاليف الاجتماعية للتلوث البيئي بحيث يعمل كرادع يجعل المؤسسات والشركات المتسببة تتصرف بطريقة تنسجم فيها محاور أنشطتها مع تطبيقات التنمية المستدامة. إن المحاور الداعمة لتوافر توجه وتطبيقات البيئة والاستدامة البيئية بصفة عامة في خدمة أهداف المجلس في هذا السياق من وجهة نظري أراها تتمثل في: (توافر معطيات ومعايير وقياسات البيئة المادية والعلمية لمختلف البرامج والمشاريع الاقتصادية التنموية. رفع مستوى الوعي والتثقيف لتطبيقات وعلوم البيئة بهدف مشاركة الفرد والمجتمع في هذه المشاريع والخدمات ودعمها. دور فاعل وداعم من قبل مركز أو إدارة الدراسات والأبحاث الاستراتيجية بالمجلس. توافر وتحقق معطيات وتطبيقات علم «الصحة البيئية» في مكافحة مخاطر التلوث البيئي الصحية للمجتمع والمدن الاقتصادية والصناعية. خدمات التقنية والربط الإلكتروني بين جميع المنظومات والمواقع الصناعية والخدماتية في التعامل والتواصل مع خطة موحدة للطوارئ والكوارث البيئية. التناغم مع التواصل لبعض التطبيقات والتوجهات ذات العلاقة بالبيئة كما هو الحال مثلا في «الأمن البيئي، الاستدامة البيئية، البيئة المادية، البيئة الرياضية، الأمن الغذائي، شح المياه، المحافظة على الثروات والموارد الطبيعية»). ويمكن للمتابع والباحث والمختص أن يتفهم وبقناعة - قبل أن يلاحظ - الواقع التنفيذي المستقبلي الطموح لتوجه استحداث مجلس للشؤون الاقتصادية والتنموية من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عطفا على كونه صاحب الرؤية الاقتصادية البعيدة المدى والداعم الأكبر كذلك لملف ريادة الأعمال وتحفيز شريحة الشباب للإنتاج والإبداع. وقبل أن أنهي أقول إن تحقيق السعودية تقدما ملموسا في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2014 يعود إلى التحسن في جميع محاور وعناصر دليل التنمية البشرية ومكوناته. * باحث في الدراسات الاستراتيجية البيئية والصحية