يكفي الممثلة المغمورة أن تكشف عن مفاتنها لتصل للنجومية، يكفي راقصة الحانات الرخيصة أن تنشر مقطعا فاضحا لتضمن الرقص في الفنادق الفاخرة، يكفي المطرب الشعبي أن يتعاطى الحشيش في أغانيه لينال النجومية، الوصول للقمة في بلا العرب لا يتطلب الشيء الكثير، فنحن شعوب من السهل معرفة سقف تطلعاتها، من السهل تحقيق رغباتها المحصورة في إطار المحسوسات والعواطف. متطلباتنا في الوصول للقمة متطلبات بسيطة، كلها تدور حول المظاهر البراقة والديكورات المزخرفة والكلمات المنتهية بقافية، من يعرف كيف يحقق هذه المتطلبات ويلم بها سيصل سريعا، وهكذا حين أردنا زعيما مقاوما ممانعا صامدا في وجه العدوان الأميركي الصهيوني الإمبريالي الغاشم أطل علينا "السيد حسن نصر الله"، وهو ملتزم بكل ما يطلبه الجمهور في الزعيم الممانع المقاوم الصامد، لحية مهذبة وعمامة سوداء والكثير من البربرة الحماسية، لينتهي الأمر بالجموع تطوف حوله وتصفق له وتهتف بحرارة، فكان الثمن أن الذين طافوا وصفقوا رؤوا منه أسوأ مما رأوه من العدوان الإمبريالي الغاشم! التجييش عندنا لا يتطلب مستوى متقدما من الذكاء في من يجيش إنما يتطلب جمهورا من الأغبياء، هذه هي القاعدة، هذه هي كل متطلبات السيادة، لهذا نجد أن الباحثين عن السيادة كلهم يطمعون في السيادة، كلهم لا يعرفون طريقا إليها إلا عبر الدجل والنفاق وشتم إسرائيل باللسان بينما سيوفهم على رقابنا، يطربنا أن يشتموا إسرائيل لدرجة تجعلنا نغفر لهم إراقة دمائنا، نعطيهم شيكا على بياض لأنهم يطربون أسماعنا، نصفق لهم بحماس لأنهم يدغدغون مشاعرنا بمظاهرهم الإيمانية المفتعلة. إن عالمنا الإسلامي مريض، ثقافاتنا مريضة، كأننا دراويش، لا أحد فينا يهتم، لا أحد يتساءل، لا نزال مفتونين بالرجل الواحد البطل المقدام الداهية المؤمن التقي الورِع الذي يعلو وجهه نور إيماني من أثر المكياج! ثم يا حبذا لو كان من نسل آل البيت وإن كان بالتزوير والتلفيق، هذه فقط كل متطلباتنا التي ما إن تتوفر في شخص حتى نغفر له سلفا كل قبائحه. ها هو "حسن نصر الله" أحد الأئمة الكاذبين، أحد زعماء هذا الزمان الرديء يطل علينا اليوم مقاوما من جديد ممانعا صامدا يأمر حزبه بتوجيه الضربات الموجعة لإسرائيل، وإسرائيل تترنح تتخبط "تولول" وتلطم تحت سياط حزب الله، وكالعادة دائما مبهورون نحن بالعناوين الرنانة، لقد تقدمت وسائل الإعلام، أصبح الخبر ينتقل في لحظات بالصوت والصورة، لكننا رغم هذا التقدم لا نزال أسرى تلك اللحظات التي كنا نلتف فيها حول المذياع لنستمع إلى "أحمد سعيد" وهو يردد عبر إذاعة صوت العرب: سنلقيهم في البحر! فهل تغير شيء؟!، لا لم يتغير شيء!، لا يزال "حسن نصر الله" يعيش في تلك الحقبة، يؤدي دور البطولة ويلجأ إلى نفس خطاب "إذاعة صوت العرب"، قواتنا تتقدم وإسرائيل تتقهقر وتتخبط، لا بل هي تحتضر وقريبا سننتصر، ثم فجأة سيعاد نفس المشهد القديم، يتراجع حزب الله في انسحاب تكتيكي ثم يبدأ في لوم العرب على انسحابه التكتيكي ويأمر خلاياه النائمة أن تعيث في بلاد العرب الفساد، إنها مسرحية هزلية يعاد تجسيدها يوما بعد يوم حتى حفظناها عن ظهر غيب، فلا سامح الله الوجيه الكالحة. هل تغير شيء؟!، ماذا لو انتصر "حزب الله"؟، ماذا لو تم إلقاء إسرائيل في البحر فعلاً، وغرقت القارة الأميركية كلها في المحيط؟ لو حصل هذا فعلاً سيفقد "حزب الله" كل أسباب البقاء، إن الحزب في حاجة إلى وجود إسرائيل حتى يكتسب الشرعية بين العرب، وإسرائيل في حاجة إلى هذا الحزب حتى تكتسب الشرعية في الغرب! إنها مصالح مشتركة، علاقة حب متبادل، لن يستغني أحدهما عن الآخر بحال، فإن كان حزب الله وإسرائيل في علاقة حب متبادل فلماذا يتقاتلون؟! إن حزب الله شأنه شأن كل الميليشيات الإسلامية، كلهم كاذبون، "داعش" يريدها دولة إسلامية على منهاج النبوة وهو أبعد الناس عن نهج النبي، "القاعدة والإخوان" يريدانها دولة عظمى من المشرق إلى المغرب يترأسها مرشد أعلى ليتحكم فيها كيفما شاء، "حزب الله" يريدها دولة إسلامية بشرط الولاية فيها للفقيه وقبلتها طهران، كلهم كاذبون، كلهم وإن تعددت ملامحهم ومذاهبهم ينتمون إلى نفس المستنقع، كلهم يحتاجون إلى إسرائيل وإسرائيل تحتاجهم. عدوهم جميعا أجساد المسلمين، أوطان المسلمين، استقرار المسلمين، لهذا قد اتفقوا جميعا على أن أحلامهم لن تتحقق إلا بترويع الآمنين!، وإن كان الجميع يمارس التقية إلا أن "حزب الله" قد خلع قناع التقية وألقاه في المزبلة دفاعاً عن حزب البعث، لا يمكن لحزب الله ولا لأي جماعة إسلامية ولا لإسرائيل أن يتقبلوا فكرة استقرار وطن عربي وازدهاره، جميعهم لا يطيقون الوجود في بيئة نظيفة، لا بد أن يقوموا بتوسيخ المكان الذي يوجدون فيه، فلماذا يتقاتل حزب الله وإسرائيل؟ لنقل أن "حزب الله" قد اتسخ أكثر من اللازم فأتت إسرائيل لتلميعه حتى يستمر وتستمر بدورها.