هدى جاسم (بغداد) لم تعرف البشرية توحشا ولا إنسانية في عصرها الحديث أسوأ مما فعل تنظيم «داعش» بالمدن التي احتلها، فقد فعل كل ما ليس له أي قيمة أو مرجعية شرعية أو إنسانية. في العراق حيث بدأت سطوته تقتحم الموصل بمحافظة نينوى في 10 يونيو 2014، كان السيف والنار حدودا لم تعرف حدا أبدا، فمن انتهاك الأعراض إلى انتهاك الحرمات والمقدسات إلى تفجير المساجد ودور العبادة للآمنين، إلى تهجير الملايين من البشر، وقتل الآلاف من الرجال والنساء، حتى غدت الموصل الحدباء «أم الربيعين» كما يسميها العراقيون، مدينة للدماء والقهر والدمار، الذي لم يعف حتى التاريخ الإنساني والحضارات التي شيدها الأولون. وهجر الموصل أهلها، ووفقا للمنظمات الحقوقية الدولية فإن 2,5 مليون امرأة هربت من بطش «داعش» ومتوحشيه الذين لا يمتون لأي دين بصلة. ومن بين من نجا، نجحت كردية مسلمة قتلوا زوجها، في الهروب من سجانيها الدواعش والوصول إلى بغداد لتروي لـ«الاتحاد» حكايتها..اختارت لنفسها اسم زوجها المغدور (نوزاد)، لتحمي نفسها وعائلتها من الملاحقات والقتل. ولم تكن (نوزاد) المرأة الوحيدة التي نجت من تنظيم «داعش» في الموصل كما تقول، فهي تؤكد أن العشرات من النساء هربن من التنظيم بطرق متعددة وصولا إلى مناطق أكثر أمانا لهن، حتى وإن كن بعيدات عن أهاليهن الذين تركوا الديار وصاروا من النازحين في المحافظات العراقية أو في دول الجوار. وقالت نوزاد لـ«الاتحاد» إنها نجت بأعجوبة من ثلاثة عناصر من «داعش» خطفوها وأجبروها على الزواج بأحدهم وهو عربي الجنسية، بعد قتل زوجها الذي رفض تطليقها، وتروي الهاربة من جحيم التنظيم أن «العناصر الداعشية تعرضوا لها ولزوجها أثناء زيارتهم للمستشفى وألقوا القبض عليهما، وبعد إصرار المجموعة على تطليقها من زوجها، هاجم الزوج تلك العناصر بيده دون سلاح، فأردوه قتيلا في الحال واقتادوا المرأة إلى أحد مقراتهم، وتم عقد زواجها على أحدهم وهو عربي الجنسية تحت تهديد السلاح، حتى قبل بدء العدة المقررة للمرأة في الشريعة الإسلامية. وتشير (نوزاد) وهي لم تكمل سنواتها العشرين وذات ملامح فائقة الجمال، إلى أن عملية هروبها تمت على يد عراقي كان يعمل بالقرب من إحدى مقرات «داعش» في جلب الوقود. وبصوت خنقته الدموع أكملت حكايتها قائلة: «لقد كان يوما عصيبا جدا، اقترب رجل يبيع الوقود من المكان الذي احتجزت فيه وهو بيت لعائلة موصلية غادرته اتخذ منه التنظيم مقرا، ظنا منه أن عناصر داعش يريدون شيئا من الوقود، وعندما اقترب من الشباك ناديته باسم الإسلام وعراقيته أن يخلصني، وفعلا تم الأمر قبل وصول الأشخاص الثلاثة، وبدأت الرحلة بين الأزقة والأماكن التي يعرفها هذا الشخص إلى أن وصلنا إلى مدينة كركوك ومنها عبرنا إلى بغداد حيث أسكن الآن مع أقاربي». ... المزيد