لا شك أن اختلال التوازن بين المنتمي والمنتمى إليه سينتج منه في الغالب خلل نفسي واجتماعي في الوحدة الاجتماعية، مفرزا بذلك أنواعا شتى من التعصب والتشنج بين أفراد الجماعة، ونشوء تكتلات داخل النسيج الاجتماعي. وهذا التوازن المفقود بين المنتمي والمنتمى إليه هو ما تعاني منه صراحة كرتنا المحلية، وهو المعضلة العسيرة الحل، التي آن الأوان لأن يلتفت إليها المسؤولون في رياضتنا. وقد أثارها الباحث الأميركي ديفيد ماكليلاند في مقولاته حول "الحاجة إلى الانتماء"، فالانتماء بحسب ماكليلاند هي غريزة فطرية تنزع بالإنسان نحو التقدم والتطور والاستقلالية وتحرض الإنسان على العطاء المتفاني والإنتاج الغزير. ولأن اختلال الانتماء كما ذكرنا آنفا هو أحد الإشكاليات الرياضية وهو سبب رئيس لتدني مستويات المنتخب، حيث صارت العلاقة بين المنتخب الوطني وبين جماهيره علاقة مختلة فاقدة للتوازن والمتانة نتج منه نشوء تكتلات داخل نسيج المنتخب الوطني، وهذه التكتلات تخدم في المرتبة الأولى مصالح النادي وتنظر للاعب المنتخب كما لو كان مندوبا لناديه وليس مندوبا لوطنه وأبناء وطنه. دعونا نضع حارس المنتخب السعودي النجم "وليد عبدالله" نموذجا بسيطا للفرد الذي يعاني من وسط إعلامي متلون وجماهير أندية تنتمي إلى أنديتها بالدرجة الأولى، لأن وليد عبدالله في ناديه "الشباب" ليس هو وليد عبدالله في المنتخب، ولأن وليد عبدالله في ناديه يحظى بالحب من جماهير النادي ويلاقي المساندة والتشجيع، بعكس الحرب الإعلامية والجماهيرية التي يلاقيها عندما يكون لاعبا للمنتخب. وليد عبدالله في ناديه وفي السنوات الأخيرة على وجه الخصوص هو اللاعب رقم واحد ويمثل ما يقارب 70% من قوة الفريق وكان هو السبب الرئيس في حصول نادي الشباب على كثير من البطولات، وكان هو اللاعب رقم واحد في الشباب عندما حقق بطولة زين قبل فترة بسيطة، وفي المباريات الشبابية الأخيرة قدم وليد أداء استثنائيا جعل من نادي الشباب منافسا على الدوري رغم النقص الكبير في تشكيلة الشباب، فما يقدمه وليد مع الشباب ينصبه بكل ثقة كأفضل حارس سعودي في الوقت الراهن وبلا منازع. لكن لماذا يهبط مستوى وليد مع المنتخب وينقص تركيزه وفعاليته؟ الإجابة طبعا لأن وليد لا يحظى بأي حصانة في منتخب بلاده مهما قدم من مستويات، فالمنتخب لا يحمي نجومه من سطوة إعلام الأندية، ووليد معرض دائما للهجوم الإعلامي الشرس والتشكيك في إمكاناته ومطاردة أخطائه، مما يشعره داخليا بأنه غير مرغوب فيه، ما يفقده بالتالي الدافع نحو العطاء. وليد عبدالله موهبة رياضية تقف في مواجهة إعلام فاقد للانتماء ومتلون بألوان ناديه تسانده جماهير تنظر لأفراد المنتخب "كمندوبين" للأندية وليس للوطن، ونحن جعلنا من معاناة وليد مع المنتخب نموذجا للبيئة الرياضية المختلة التي تنعكس سلبا على عطاء أفراد الجماعة ككل.