سبق- الرياض: ردَّ الداعية د. عوض القرني، على مقولة العلمانية لا تضاد الدين في حلقةٍ ساخنةٍ من برنامج حراك، الذي يقدّمه الإعلامي عبدالعزيز قاسم، في قناة فور شباب، وكان ضيفها المفكر التونسي وأستاذ الفلسفة أبو يعرب المرزوقي. وقال القرني: لا يمكن القول إن العلمانية تستقيم مع الإسلام؛ لأن العلمانية تسلب حق الله في التشريع، وتبقي الدين في أحسن الحالات ضمن دائرة علاقة الإنسان بربه، فهيمنة الدين على الحياة مرفوضة في العلمانية . بيد أن القرني استدرك بقوله: لكن إذا اخترنا بين الحياة في نظام علماني ديكتاتوري ، أو نظام علماني يسمح للمسلمين بممارسة شعائرهم، فسوف نختار النظام العلماني الذي لا يمنع المسلمين من ممارسة دينهم. من جهته، دافع المفكر التونسي المرزوقي، عن المقولة الشهيرة لرئيس حزب النهضة السياسي في تونس الدكتور راشد الغنوشي: إن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام؛ مبيناً على أنه كان المفهوم منه أن العلمانية مطلوب منها الاعتراف بالأديان الأخرى وألا تحول دونها وممارسة شعائرها بحرية، وأنه في الوقت ذاته مبدأ قرآني معروف، فالإسلام يعترف بالديانات جميعها المنزل منها وغير المنزل كالصابئية، كما أن الإسلام عندما تحدّث عن ضرورة تدخّل الدولة لحماية حرية العبادة لم يبدأ بالمساجد؛ بل بدأ بالصوامع والبيع ثم المساجد، وبالتالي فإن الدين الإسلامي يفرض على الدولة الإسلامية حماية الأديان الأخرى، وهذا هو الذي تدعي العلمانية أنها تنفرد به، فكان لزاماً على الإسلام الحديث - الذي يريد أن يبرز أن الإسلام متقدّم في كثير من القيم - إبراز اعتراف الإسلام بتعدُّد الأديان قبل العلمانية، بل أكثر من ذلك حيث إن الإسلام يعد تعدُّد الشرائع شرطاً في التسابق نحو الخيرات، كما في القرآن الكريم. كما أوضح المرزوقي أن العلمانية لها أنواع ومضامين عدة؛ فهناك العلمانية الألمانية -وهي التي يعنيها في حديثه - وتتميّز بعدم معاداتها الدين والعقل بخلاف العلمانية اليعقوبية الفرنسية التي تعادي حرية العقل وحرية الأفراد والدين، مفسراً حالة الغضب العارم على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حينما طالب بتطبيق العلمانية في مصر آنذاك؛ كون الثقافة المصرية ثقافةً فرنسية، إذ إن النخب الليبرالية ورمزهم طه حسين كانت ثقافتهم فرنسية وليست ألمانية. أوضح المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي، أن موقف حزب النهضة الإسلامي من الديمقراطية وتقديمه صوت الأغلبية على الشريعة لا يتعارض مع المبادئ والقيم في الدين الإسلامي الحنيف؛ إذ إن المجموعة التي تمثل الأغلبية - في بلد إسلامي - يُفترض فيها أنها من الذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة مما يُستبعد معه اجتماع رأي الأغلبية منهم على رأي مخالف للشريعة أو مغالطٍ لها. وأوضح المرزوقي أن هذا التعليل الضمني لم يكن من الضروري سياسياً إظهاره حتى لا يكثر الأعداء من موقف الحركة التي تريد أن تسترجع بالتدرُّج قيم الإسلام في دولة عاشت على العلمانية مدة 60 عاماً، ومن ثم فإن فكرة الحركة مبدئياً لا تتعارض مع الشريعة. وفي ردّه على سؤال مقدم البرنامج عبدالعزيز قاسم، حول الحرية وتقديمها على الدين، ردَّ المرزوقي قائلاً: هناك خوفٌ من كلمة (حرية)؛ لأن الحر هو الذي له قدرة على الاختيار، فالله - سبحانه وتعالى - يكلف المختار ولا يكلف المضطر، وهؤلاء المكلفون حريتهم هي سبب تكليفهم وشرط في أن يطبقوا الشريعة، فالحرية هنا بهذا المعنى مقدمة على الشريعة؛ لأنها شرط من شروط تطبيقها، والشرط مقدم دائما على المشروط.. والحر هو الذي يكون بمقدوره احترام الشريعة أو عدم احترامها، وإذا كان مؤمناً بها ولا يطبقها، فهذا خروج عن الشريعة وعن الإسلام، ونحن نتحدث هنا عن المسلمين ، فإذا لم يحترم الشريعة سيطبق عليه القانون المدني الذي يحتكم له. وفي مداخلة هاتفية، اعتبر المفكر الإسلامي الدكتور عوض القرني، أنه من حيث الوقوع فلا ريب أن الحرية مقدمة على الإسلام؛ لأن الإيمان بالإسلام والقناعة والعمل به تالٍ للحرية وتابعٌ لها، بل لا يصح إسلام مضطرٍ أو مكرهٍ غير مختار بنفسه للإسلام، مؤكداً في الوقت ذاته أن الخروج على مجتمعٍ يقوم نظامه على الإسلام بدعوى الحرية أمرٌ غير مقبول؛ فضلاً عن كون القائم بهذا الفعل من الخوارج والبغاة أو المرتدين.. أما إذا كان الإسلام ليس بخيار أغلبية المجتمع - مع الأسف - فإن هذا يعني كون المجتمع بحاجة إلى الدعوة قبل أن يصبح الدين خيار الجميع، كما أن المفاضلة بين الدين والحرية عملية دقيقة وشائكة جداً. وطالب القرني في مداخلته التيار الإسلامي في تونس بالتقليل من جرعات الاهتمام بالسياسة والتركيز على الجوانب الدعوية وتربية الناس تربية إسلامية وأخلاقية ونشر العلم الشرعي، مؤكداً أنه يضمن بذلك مستقبلاً مبشراً. وعرج القرني، في مداخلته على قاعدة المفاسد والمصالح، وأنه إذا كانت إزاحة مفسدة ستؤدي لمفسدة أكبر، فإن من الأولى تركها، ولنا في السيرة النبوية الشريفة أسوة حسنة، ففي عمرة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تلت صلح الحديبية اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وحول الكعبة 360 صنماً ولم يتعرّض لها حتى لا يُقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يفي بالعهود، لكن عند فتح مكة تمّ تحطيم هذه الأصنام. وفي مداخلةٍ ثانيةٍ للمحلل السياسي محمد المختار الشنقيطي، حذّر ممّا سمّاه التفاؤل المفرط في الحال التونسية أو التشاؤم المفرط في الحالة المصرية؛ مبيناً أن المعركة مازالت في بدايتها، وأن الفترة القادمة ستكشف لنا إذا كان ما يحدث في تونس حالياً مجرد فوز حزب سياسي منافس للنهضة أم هو استنتاج جديد لبقايا النظام البائد وثورة مضادة. كما أكّد الشنقيطي، أن حالة الاختلاف بين التجربتين المصرية والتونسية لها عوامل عدة؛ منها التواصل والحوار بين الأحزاب والقوى السياسية، إضافة إلى التنازلات التكتيكية التي قدّمها حزب النهضة. لمتابعة الحلقة