لم يعد لدى البعض قواعد لاستخدام الكلمات، وانتقاء مفردات الخطاب كي يتجنب السقوط في الممنوع اجتماعيًا "العيب"، وأصبحت بعض الآراء جاذبة للتداول ربما لأنها أباحت ما كان مُحرّمًا اجتماعيًّا، وقعّدَت للغة جديدة ستصبح مع الأيام مكوّنا رئيسا للخطاب في مجتمع كان يغوص للنخاع في ثقافة العيب والحرام. انتقاء لغة الخطاب على المستوى العام والخاص، كان خاضعًا لمعايير اجتماعية وأخلاقية شديدة الإحكام، فلا يصح استخدام مفردات صُنِّفت في خانة (العيب) وهو ما يُمثِّل (الحرام) اجتماعيًا، ولا يُستهان بالتلفظ بها علنًا، فلا يفلت قائلها من عقاب العزل الاجتماعي على أقل تقدير، إذا كان خارج دائرة السلطة الأبوية أو الاجتماعية. أما النساء، فكن مكرمات بالقدر الذي تصبح فيه المرأة هي (الكريمة) فيقول الرجل -في معرض ذكر ابنته أو أخته-: (كريمتي) والزوجة (أم الأولاد) أو (الأهل) ويقال: إن أهل الرجل، زوجته؛ فكانت التسمية تتوافق مع المعنى الإلهي لهذه العلاقة الإنسانية، ولا ينادى على الكبيرة إلا بـ(أمي) أو (ستي)، والصغيرة (أختي) أو (بنتي)، هكذا كانت المرأة (حمىً) محرمٌ انتهاك حتى اسمها، لكن فجأة أصبحت أجساد النساء وأعضاؤهن الداخلية ووصمهن بصفات ما كانت تُقال مِن قِبَل العوام، وأصبحت تكتب علنًا على تويتر أو آراء تنتشر بين العباد وتصبح مضغة في الأفواه وقذيفة تطلقها الأقلام دون خوف أو حياء. فمن كان يجرؤ على استخدام كلمة (الحوض) الخاص بالنساء؟! الرجال لديهم أحواض، ولكن كل شيء متعلق بالمرأة وجسدها مُحرّم ذكره إلا همسًا، أو رمزا أو بلغة الإشارة مثلا، أما الأجزاء الداخلية والحساسة؛ فلا يجوز ذكرها بأي صورة من الصور وإلا اعتبر المتحدث خارجًا عن حدود اللياقة، وأرجو ألا أعتبر منهم وأنا أورد أسماء الأجزاء الواردة في الرأي الشهير حول الأسباب الصحية التي تمنع المرأة من قيادة السيارة! إذا كان الخوف على صحة وسلامة النساء السعوديات من قيادة السيارة هو العائق الوحيد، ولأن المرأة لا تعرف ما هو خير لها دائما حتى فيما يخص صحتها فمن وجهة نظر صاحب الرأي أن (حوض المرأة ومبايضها) من الرقة والحساسية ما يُعرّضها للتلف بمجرد جلوسها خلف مقود السيارة، مع أن الحديث عن أجزاء المرأة الحساسة بهذه البلاغة والشفافية هو الذي عرّض المرأة السعودية للاستباحة، وانتهاك حرمة العيب الاجتماعي، وأخذ الجميع يستخدم هذه اللغة بشكل جعلها في مقدمة المفردات المستخدمة إعلاميا واجتماعيا في البيت والشارع والمقهى وفي الحوارات اليومية، وانتفت عنها صفة (العيب) نهائيًا، لذلك تجرَّأتُ على استخدامها في المقالة وأنا كلي ثقة بأن القارئ لن ينتقدني، كما أن المسؤولين في الجريدة لن يجدوها خارجة أو مستهجنة فيتم حذفها، لأنها أصبحت على كل لسان، ولم تعد تهتز أو ترجف عيناك أو تبهت من الدهشة وأنت تقرأ (أحواض السعوديات) ليس هذا فقط بل (مبايضهن) كذلك! أصبح الحوض والمبيض، أو أحواض ومبايض السعوديات حمى مستباحًا برأي يصدر من شخص أجلّه كثيرًا وله عليَّ فضل عظيم في بداية كتابتي الصحفية، وله مكانته العلمية، لكنه فتح بابًا لاستباحة حمى أحواض ومبايض السعوديات علنًا، وفي قنوات التواصل والصحف والإعلام الداخلي والخارجي، ولا أعرف ما هو دافعه لمثل هذا؟! فإذا استهجنّا هذه اللغة والخطاب المتضمن تلك المفردات من جهة، فنحن بالتأكيد لن نقبل من جهة أخرى وصف بعض نسائنا بـ(العاهرات) من قِبَل مُغرِّد معروف ومكشوف باسمه وصورته، أما إذا كان الحساب منتحلًا؛ فالجهات المختصة تعرف كيفية الوصول إليه ومعاقبته على وصف السعوديات اللاتي يرغبن في التعبير عن حقهن بـ(العاهرات)، وهن يعرضن حاجة حقيقية وليست استعراضا للأجساد مثلًا، كي يحق لمثل ذلك المغرِّد قليل الحياء أن يصفهن (بالعهر) ويُحرِّض الشباب على (القيام بالواجب) ما هو هذا الواجب؟ هل التعدي على النساء واغتصابهن في الطرقات؟، هل هو هذا الواجب الذي يدعو إليه ذلك النكرة؟! إن المجتمع يعاني من تكدس العمالة الوافدة؛ لأن البيوت تحتاج إلى السائق، حتى مّن لا يمتلك القدرة والإمكانية المالية لتشغيل سائق لكنه مضطر، ولا داعي لإعادة ذكر الحالات والظروف التي تحتاج فيها النساء للخروج، لذا أحترم كل مطالبة بقيادة المرأة للسيارة التي أرجو أن تجد الفرصة للظهور، كما أرجو أن تتمكن الجهات المختصة من القبض على المحرّضين وعقابهم بتهمة التحريض وقذف المحصنات، ومعاقبة كل من يستبيح أعراض السعوديات. nabilamahjoob@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain