في قصة جميلة للكاتب الأميركي إرنست همنغواي تتزوج فتاة جميلة بشاب ثري، ومنذ شهر العسل أظهر الشاب انشغاله بأعماله ومصالحه أكثر من أي شيء. فقد كان الرجل يمضي نهاره وليله في الاجتماعات واللقاءات مع رجال الأعمال ومديري الشركات ومع مساعديه وحتى مع الزبائن، وكانت الزوجة آخر ما يفكر فيه الرجل. ومع الوقت أحست الزوجة أن عمل زوجها غريب عنها لذلك راحت تتهرب وتمضي وقتها وحيدة تتنقل بمفردها في الفندق الضخم. وبعد أيام قليلة راحت المرأة تشعر بالفراغ والضجر فلا أحد يدري بها ولا إنسان يسأل عنها ولا آدمي يقف معها في وحدتها القاتلة. وفي صباح يوم كانت تقف في إحدى ردهات الفندق وحيدة كالعادة تتأمل الناس وتحسد العشاق والمتزوجين السعداء وتنظر بغيرة إلى أي امرأة تحضن حبيبها. وبالصدفة وجدت عامل المصعد بالفندق يحمل قطة فابتسمت له وابتسم لها. وفي الحال تقدم إليها وقال سيدتي أرجو أن تقبلي القطة هدية مني، وشكرته الفتاة وهي في قمة الفرح. ومند تلك اللحظة أصبحت القطة كل حياتها، ورأت فيها الكثير من الحنان الذي تبحث عنه والحب الذي تشتاق إليه في الحياة. وحدث أن هربت القطة يوما في صباح ماطر من الفندق. وعندها أحست لا شعوريا بأنها تركض وراءها كالمجنونة تحت المطر حتى أمسكت بها وأعادتها إلى فندقها. ولم تهتم بما حدث لها من بلل واتساخ ملابس ولا الماكياج الذي فسد. فقد كان المهم هو القطة ورجوعها إلى حضنها وحياتها. والرفقة والبحث عن مشاعر دافئة في حكاية همنغواي هي القضية الهامة التي لا يستطيع الناس العيش من دونها خاصة في الزمان الحالي. فهناك زوجات ثريات كثيرات مثل فتاة القصة لا يعطيها ثراء زوجها أي قيمة أو مودة أو روح. وهناك بشر كثيرون يعيشون بيننا يملكون أشياء كثيرة وهامة أيضا ولكن يفتقدون إلى أهم منها. فهناك من يفتقد في لحظة حزن إلى حبيبة يبكي على صدرها كالطفل، وهناك من يفتش عن صديق في لحظة هم فلا يعثر على أحد. وأحيانا نستطيع الاستغناء عن أشياء كثيرة وربما مهمة لكننا لا نقدر على التخلي عن إنسان يهتم بنا، وعن صديق يشعرنا بوجودنا، وعن قطة أحيانا تعطينا ما نفتقده اليوم من البشر من إحساس بالوجود في الحياة، ومن مشاعر دافئة، ومن فرح ومودة نعجز عن الحصول عليهما. عزاؤنا اليوم أن البحث عن رفقة والإحساس بالوجود والنوم في حضن دافئ لم يعد كلاما رومانسيا، بل واقع يستحق عناء البحث وحبات العرق.