حظيت الخبر تلك المدينة التي أدركها النعاس على ضفاف الخليج العربي، وأحاطت بها مزارع العزيزية، ها هي تفرك عينيها لإزالة ما بقي من النعاس لتفتحها على نهضة شاملة وحركة دائبة وتجديد وتغيير وتبديل؛ لتكون أنموذجاً للمدن الحديثة التي حظيت بتخطيط سليم في أولياتها، في فسح المجال لمن يريد التغيير والتجميل حتى ينطلق في شوطه دون كثير من المعوقات التي ترزح تحتها بعض المدن في بلادنا. هذه المدينة التي كانت غافية وأصبحت ملتقى لرجال الأعمال والأدباء والمهندسين، وغيرهم ممن أدركتهم حرفة ما قاموا يسخرونها للعمل في النهوض بهذه المدينة، التي كأنها انبعثت من جديد فتطاول فيها البنيان وازداد زحام البشر في شوارعها وطرقاتها وأسواقها، وأصبحت منارة لعشاقها يدبجون القصائد في مديحها ووصفها، وكان أول هؤلاء الشاعر علي بن أحمد النعمي - يرحمه الله - الذي كان يدرس في المعهد العلمي بالأحساء ويزور الخبر في العطل الأسبوعية باستمرار أنشأ قصيدة بعنوان: (إلى حبيبتي الخبر ..) قدم لها بقوله: عقب التفجير الآثم الذي تعرضت له مدينة الخبر، المدينة التي أحببتها وسعدت بالعيش فوق ترابها لفترات متفاوتة، كانت هذه القصيدة نجوى حب). وأنا طبعاً لا أستطيع سرد القصيدة بكاملها في هذه الزاوية وإنما أجتزئ بعضاً منها. وقد عشق الخبر التي تعتبر في أوائل نهضتها التي بدأها الشيخ عبدالرحمن الشعوان، وقد آلمه ما تعرضت له هذه المدينة الوادعة من تفجير، حيث أحبها الشاعر وسعد بالعيش فوق ترابها لفترات متفاوتة، كانت لهذه المدينة نجوى حب ومواساة محب: أحببت دفء مدينة الخبر وحملت عنها أطيب الذكر أعطيتها حبي بشكل لنا وقدحت فيها جذوة الفكر وبعد تلك المقدمة المفعمة بلغة المكان وذكرياته يقول: وحلمت فوق ترابها بغد زاهي الرؤى متماوج الغرر وكأنها من هذبت لغتي يوماً .. ومن شدت عرى وترى وكأنها تلك التي ملأت قلبي بحب الشط والقمر ثم يأخذ في مواساة التي أحبها بجد حباً صادقاً: يا دار أهل الحب معذرة مما تمدد فيك من خطر أو ما أحال الدفء عاصفة ترمي بكل قذائف الشرر لا تفزعي يا حرة شمخت حول الخليج بوجهها النضر وبعد أن يرصد ما ينتظر أولئك الجناة من الجزاء الذي يستحقونه شرعاً يعود لمخاطبة الوطن: يا موطني لا زلت أكبر من فعل دنيء القصد محتقر أسست بالتوحيد مملكة لمت شتات البدو بالحضر وبنيت للإيمان مدرسة عادت لنا بأطايب الثمر ونهجت نهجاً في البناء على وضع السكينة موضع النظر ان هذه القصيدة التي قالها الشاعر علي النعمي - يرحمه الله - قبل زمن طويل، ولو أنه عمر حتى يرى الخبر وجاراتها اليوم طبعاً سيكون للحديث شجون. ذات مرة دعاني رئيس نادي جازان الأدبي للتحدث مع أعضاء النادي ورواده، كنا جالسين في صالة الاستقبال فدخل علينا شبه انسان (مجرد هيكل عظمي) يتوكأ على عكاز، وسلم علينا سلاماً لم أكد اتبينه، فقالوا هذا الشاعر علي بن أحمد النعيمي، فلما هممت بالقيام لتحيته قال: لا تعب فأنا لا أستطيع الوقوف أكثر، فجلست وغادر الصالة ثم بعد فترة علمت بوفاته، فلم أملك سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة. المدير العام لوكالة هجر للإعلام