استفاد المغرب مثل غيره من الدول المستهلكة، من تراجع أسعار النفط بنسبة تزيد عن 50 في المئة في السوق العالمية، وتراجعت قيمة وارداته من الطاقة بنسبة تسعة في المئة إلى نحو 10 بلايين دولار خلال 10 أشهر حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، علماً بان انخفاض الأسعار شمل فقط الأشهر الثلاثة الأخيرة من الفترة. وإذا كان المغرب قدرت احتياجاته للاقتراض من الخارج بمبلغ 2.77 بليون دولار لسد قسم من العجز المالي في موازنة 2015 والمقدر بنحو 4.3 بليون دولار، سيساهم تراجع أسعار النفط في خفض قيمة هذا العجز، خصوصاً ان الحكومة بنت تقديراتها على فرضية 103 دولارات سعراً لبرميل عندما وضعت أرقام الموازنة، ولم تأخذ في الاعتبار استمرار تراجع السعر الذي وصل إلى اقل من 55 دولاراً. وتبلغ أرقام موازنة العام الحالي 43.3 بليون دولار للنفقات، مقابل 39 بليوناً للإيرادات. ومع الاستفادة من تراجع قيمة فاتورة الوقود لعام 2015، توقع صندوق النقد الدولي ان يرتفع نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 1.4 في المئة إلى 4.4 في المئة، مقارنة بثلاثة في المئة في 2014. ويبدو ان المغرب بمقدار ما يرتاح إلى تراجع فاتورة استيراد النفط والاستفادة من إيجابياتها المالية والاقتصادية، فهو يراهن على نتائج استمرار التنقيب داخلياً، خصوصاً بعدما بشرت الاستكشافات النفطية بآفاق واعدة، وتستعد الشركات التي وقعت اتفاقات مع حكومة الرباط للبدء بحفر 29 بئراً في العام الحالي، على ان يزداد عدد الآبار في 2016. ومن هنا يتطلع المغرب إلى ثروة نفطية واعدة يمكن ان تحولها إلى دولة منتجة وقادرة على سد ديونها وتطوير اقتصادها إلى مستوى دول النفط الغنية. وتحصل هذه التطورات المرتقبة، في وقت حذر صندوق النقد الدولي المغرب من تجاوز ديونه سقف 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو خط أحمر يحمل أخطاراً تنعكس سلباً على الاقتصاد الوطني، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى ان الدين العام المغربي زاد في السنوات الأخيرة (2011 - 2014) إلى نحو 67 بليون دولار. وتمتلك المملكة احتياطات ضخمة من الصخور النفطية قدر وزير الطاقة والمعادن عبدالقادر عمارة ان يصل إنتاجها إلى نحو 50 بليون برميل من النفط، الأمر الذي يجعلها في المرتبة السادسة عالمياً. وتعمل في المغرب منذ 2008 نحو 34 شركة عالمية في إطار 10 رخص امتياز تغطي مساحة تقدر بـ 117 كيلومتراً مربعاً، و110 رخص بحث تغطي مساحة إجمالية تقدر بـ 196 ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى شركات دولية عبرت عن رغبتها في المساهمة بمشاريع استثماريه للتنقيب عن النفط. وكثر التداول عبر بيانات لشركات دولية عاملة في المغرب (من بريطانيا والولايات المتحدة واستراليا)، حول وجود كميات ضخمة من النفط والغاز في أعماق سواحل المغرب، بعضه ثقيل وآخر صالح للاستخراج. واعترفت الحكومة المغربية بوجود مخزون بنحو 900 ألف متر مربع في الأحواض الرسوبية، منها 400 ألف تنقّب فيها شركات عالمية، وهو استكشاف لا سابق له ويعزز جاذبية المغرب للاستثمارات في مجال التنقيب، ويقوي احتمالات وجود مخزون كبير من النفط والغاز في المغرب. ولكن اللافــت في ان الحكومة المغربية تقلل من شأن الاستكشافات التي أعلنتها شركات دولية حول حجم مخزون النفط والغاز في بعض المناطق، استناداً إلى عمليات استكشافات نفــذتها على سواحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وبعض السهول القريبة من الرباط. واعتبر وزير الطاقة والمعادن، ان «ما يُنشر حول اكتشافات جديدة للطاقة في المغرب يتعلـــق بمستويات معينة من التنقيب تعلن عنها شرــــكات دولية من حين إلى آخر لإعادة ترتيب المساهمين». ولفـــت إلى ان المعلومات المتداولة تتحـــدث عن كميات محدودة من الاستكشافات «لم تغير من استمرار المغرب في الاعتماد على الخـــارج بنسبة 95 في المئة لتأمين حاجاته من الطـــاقة». وأوضح ان المغرب «ليس بلداً منتجاً للطاقة الأحفورية، وهو يعتمد على الخارج». أما شركة «شيفرون» الأميركية التي تقوم باستثمارات كبيرة في التنقيب في ثلاث مناطق مغربية، فكانت متحفظة حول نتائج أعمالها، وقال مديرها كارل عطاالله إنها تحتاج إلى سنتين ونصف سنة على الأقل لجمع بيانات زلزالية، قبل ان تقرر ما إذا كانت ستبقى في المغرب أم لا. وتملك «شيفرون» حصة مقدارها 75 في المئة في المناطق الثلاث المتفق عليها، مقابل 25 في المئة للمكتب الوطني المغربي للمحروقات. ويبدو ان الأوساط المغربية تتجنب الخوض في تفاصيل عمليات الاستكشاف، وتؤكد ان الأمر متروك للشركات العاملة، لأن الرباط غير مستعجلة لإعلان احتمال وجود النفط تفادياً لمعاودة كذبة سيناريو تالسينت (قرب الحدود الجزائرية)، عندما حصلت مبالغة في حجم الاستكشاف عام 2000، ما أثار ردود فعل حول صدقية المعلومات. وتتخوف الرباط من إثارة شهية أطراف خارجيين مهتمين بقطاع الطاقة، خصوصاً إسبانيا التي ألدت ردود فعل غير ودية حول تقدم التنقيب قرابة سواحل جزر الخالدات في جنوب المحيط الأطلسي. وتعتبر الأوساط المعنية ان التوقيت الإقليمي غير مناسب لأي «أخبار سارة» حول الطاقة حالياً. وفي الوقت ذاته، لا يمكن إبعاد إنتاج النفط في المغرب عن مسألة الصحراء الغربية التي يعود الخلاف المغربي - الجزائري حولها إلى عشرات السنين، ويرى خبراء ان استغلال النفط في المغرب من شأنه ان يحدث توازناً إقليميا على الساحة، خصوصاً ان نفوذ الجزائر في المنطقة، ظل يعتمد في أحد وجوهه على ثروتها النفطية والغازية.