كالأب الحريص على مستقبل أبنائه. يريدهم أن ينتسبوا إلى أعظم جامعات العالم، وأن يتسلحوا بالعلم والمعرفة ليعودوا أقوى ما يمكن أن يكون عليه الإنسان ليصنع المجد لدينه ووطنه. هكذا كان والدنا عبدالله، رحمه الله، يعاملنا كما يعامل الأب الحنون أبناءه، يعلم أننا لن نكون أقوياء دون العلم فحرص، رحمه الله، على أن يرعى برنامجا تاريخيا للابتعاث الخارجي، وعندما أقول برنامجا تاريخيا فإنني أعني كل ما تحمله هاتين المفردتين من معان وتفاصيل، لا يوجد برنامج ابتعاث خارجي على مدى تاريخ البشرية أكبر من برنامج الملك عبدالله للابتعاث. كان، رحمه الله، يعي تماما أن وطننا الغالي لن تقوم له قائمة ما لم يتسلح بالعلم القوي، في ظل التطور السريع للعلوم والمعرفة في كل أنحاء العالم. إيمانه ذلك قابله رغبة كبيرة من شباب الوطن في إثبات ذواتهم وخدمة دينهم وطنهم عبر اكتسابهم أقوى العلوم في كل التخصصات الإدارية والهندسية والطبيبة، والتكنولوجية، والقانونية، ومن ثم نقلها وتطويرها إلى المملكة، فكان البرنامج نورا يزيح الظلام، وكان الدعم غير المسبوق للمبتعثين يقابله قوة وعزيمة من الطلاب والطالبات الذين رفعوا راية الوطن في أرجاء العالم، عبر تميزهم العلمي واكتشافاتهم واختراعاتهم وبحوثهم المنشورة في أعرق المطبوعات العلمية، ووصل بهم العلم حد العروض الإغرائية التي قدمتها لهم بعض الدول مثل منح الجنسية وشراء اختراعاتهم وعلمهم لينتفعوا به، ولكن أبناء الملك عبدالله لا يساومون على حلم والدهم، وفضلوا أن يعودوا بعلمهم إلى الوطن برا ووفاء، وأينما تذهب في العالم ستجد الطلاب المبتعثين. ستجدهم في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية و الدول المفتوحة للابتعاث الخارجي كافة. ولو تحدثنا عن برنامج الابتعاث الخارجي في عهد الملك عبدالله، رحمه الله، بلغة الأرقام فإننا نستطيع أن نقول إن نسبة الطلاب السعوديين المبتعثين هي الأعلى على مستوى العالم دون منافس، فمنذ بدايته بخمسة آلاف طالب في عام 2005 تضاعف العدد حتى وصل في عام 2013 إلى أكثر من 150 ألف طالب مبتعث في أكثر من 30 دولة في جميع التخصصات العلمية والهندسية والطبية وفي كل مراحل التعلم العالي البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. ففي الولايات المتحدة الأميركية وحدها وفي عام 2013 يوجد أكثر من 44 ألف طالب سعودي، وهي النسبة الأعلى لو قارناها بعدد السكان، فالمملكة العربية السعودية أعلى من الصين والهند، فهما رغم نموهما الاقتصادي والمعرفي، ورغم أن عدد سكان دولتيهما هو الأعلى في العالم، وقد يشكلون نصف سكان الكرة الأرضية إلا أن نسبة طلابهم المبتعثين مقارنة بعدد سكانهم هي أقل من المملكة بكثير. سهل برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي العلم لأبناء وطنه حتى كدنا لا نستطيع أن نجد عائلة سعودية لا يوجد فيها طالب أو طالبة لم يستفد من هذا البرنامج، حتى الأشخاص الذين انتقدوا البرنامج وعدوه مجرد مشروع للتغريب هم وعائلاتهم أول من استفاد من البرنامج. في اليوم الذي رحل فيه الملك عبدالله شعرت كطالب مبتعث بالفقد واليتم، ونفس المشاعر وجدتها بين زملائي المبتعثين الذين أطلقوا وسم "وداعا والد المبتعثين" عبر موقع التدوين المصغر "تويتر"، وعبروا فيه عن مرارة الرحيل والفراق فهذه إحدى المبتعثات تقول عبر الوسم تعبيرا عن فقدها لوالدنا الملك عبدالله: "كنت أشعر بأنه قريب مني، وكأنه والدي، أرسلني إلى الخارج لأتقوى بالعلم وأخدم ديني وبلدي، وكل نجاحاتي أربطها به". ويقول الأستاذ عبدالمحسن الدايل عبر الوسم أيضا: "تخرجي في الماجستير كان من أسعد لحظات عمري، كان سببه بعد الله والدي عبدالله رحمه الله". ويقول الأستاذ شاكر علي مؤسس موقع سعوديون في أميركا: "كم كنت أتمنى أن أقابلك وجها لوجه لأشكرك على فرصة الابتعاث، أنت غيرت حياتي وأنت لا تعلم" وأحد المغردين يقول: "لا تسألوا عن حال المبتعث في ليلة الجمعة بعد أن فقدنا مؤسس برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي". الدموع التي ذرفناها في فراقك يا أبا متعب هي دموع صادقة خالصة لحبك، أحببتنا فأحببناك، رعيتنا فرعيناك بالدعاء والابتهال لله أن يغفر لك ويرحمك، وأن يجعل مثواك في جنات النعيم، ونعدك أن نحقق حلمك، وأن نكون أعظم هدية قدمتها للوطن، سنثابر في علمنا ونجتهد وفاء لك، وكل لحظة فخر ترفع فيها راية الوطن بعلمنا وبحوثنا واكتشافاتنا واختراعاتنا سنذكر خلالها اسمك، ولن ننساك يا والدنا عبدالله.. لن ننساك.