×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / سفارة المملكة في واشنطن تستقبل المعزين في وفاة الملك عبدالله "رحمه الله" والمبايعين للقيادة يوم غد الاثنين

صورة الخبر

ما غاب عن خطاب «حال الاتحاد» للرئيس باراك أوباما ملفتٌ أكثر مما جاء فيه، لجهة الأوضاع الدولية ومواقف الولايات المتحدة نحوها. واضح أن الرئيس أوباما أراد أن يعترف له الشعب الأميركي بما يعتبره إنجازه، في التحسن الملحوظ للاقتصاد وتعافي الولايات المتحدة بعد الأزمة الاقتصادية. أراد أن يذكره الشعب الأميركي بأنه الرئيس الذي انتشل الولايات المتحدة من حروب الآخرين وأوكل الحرب على الإرهاب اليهم كي لا يعود الجنود الأميركيون في الأكفان إلى بلادهم ولا يدفع المواطن الأميركي الثمن. افتخر بإنهاء التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان، وأعلن فتح صفحة جديدة مع كوبا ودعا الكونغرس إلى إعطاء الصلاحية للحرب على «داعش». مرّ على العراق وسورية من باب الحرب على «داعش» وذكر عابراً دعم المعارضة السورية المعتدلة في إطار الحرب على «داعش». لم يذكر الرئيس السوري بشار الأسد على الإطلاق، فيما كان في خطاباته السابقة أعلن أنه افتقد الشرعية ويجب أن يرحل. لم يتحدث عن إيران سوى من باب المفاوضات النووية واعتزامه فرض فيتو على أي محاولة للكونغرس لفرض عقوبات إضافية على إيران أثناء المفاوضات. تعمّد تجاهل الدور العسكري الإيراني في سورية وكذلك في العراق وغض النظر عن العملية العسكرية الإسرائيلية التي أودت بقيادات مهمة لـ «حزب الله» و «الحرس الثوري» الإيراني في الجولان السوري. لم يُبرز النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي الذي كان قد وضع حله في صدارة أولوياته في مطلع ولايته الأولى. والأهم، أن أوباما لم يأتِ على ذكر اليمن، ساحة حربه السرية على «القاعدة» في استراتيجية «الدرونز»، أي الطائرات بلا طيار التي عاونته فيها الحكومة اليمنية، الحكومة ذاتها التي كانت تواجه انقلاباً على أيدي الحوثيين المدعومين من إيران، فيما كان أوباما يلقي خطاب «حال الاتحاد». والملفت كذلك أنه لم يأتِ على ذكر «القاعدة»، وهذه أول مرة منذ إرهاب 9/11 يغيب ذكر «القاعدة» عن خطاب «حال الاتحاد» التقليدي السنوي للرئيس الأميركي. قد يقال: ولماذا على الرئيس الأميركي أن يتحدث عن جنون قبائلي وعشائري وطائفي وسلطوي في اليمن فيما يخاطب الشعب الأميركي عن حال بلاده؟ لماذا على الرئيس الأميركي أن يعكّر صفو أجواء الارتياح للتعافي الاقتصادي وأولويات الطبقة الوسطى ليتحدث عن عواقب عدم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران؟ ومن قال إن الشعب الأميركي –أو رئيسه– غير راغب في تكليف الآخرين شنّ الحرب على «داعش» في عقر دارهم كي لا تقع تلك الحرب في المدن الأميركية؟ ثم مَن قال إن سياسة أوباما الرافضة الانخراط في سورية لم تكن في المصلحة الأميركية بعدما بات واضحاً أن سورية باتت حقاً فيتنام إيران وبعدما أدركت روسيا أنها سترث سورية المفككة المليئة بمجموعات متطرفة متأهبة للانتقام من السياسات الروسية داخل سورية وروسيا على السواء؟ وبالمناسبة، ألا يُقال إن انخفاض سعر النفط الذي يجرّ إيران وروسيا إلى الركوع أتى بإيماءة موافقة أميركية؟ فلماذا على الرئيس باراك أوباما أن يفصّل كل هذه «الإنجازات» في خطاب «حال الاتحاد»؟ حال العالم بالتأكيد ليس من مسؤولية الولايات المتحدة بمفردها، ولا هو من صنع الدهاء الأميركي وحده، لكن الولايات المتحدة ليست بريئة منه أبداً، فبالتأكيد أن الولايات المتحدة تصنع سياسات تخدم مصالحها ولا تتوقف عند رئيس لأربع سنوات أو ثمانٍ. ولا شك في أن السياسات الأميركية بمعظمها عملية وبراغماتية أحياناً لدرجة دحض مزاعم التفوق الأخلاقي لدى الأميركيين، فهذه دولة عظمى لا تتوقف عند أي محطة تعيق القطار السريع الذي يضمن للولايات المتحدة الاستفراد بمرتبة الدولة العظمى وترقية مصالحها الاقتصادية والجيو- سياسية والاستراتيجية فوق أي صداقات أو تحالفات، ربما باستثناء التحالف مع إسرائيل، ولذلك وجد الذين افترضوا الدعوة الأميركية اليهم للتفضل إلى عربة «في.آي. بي» دعوة لا عودة عنها وتخوّلهم الشراكة الدائمة، أنفسَهم دائماً في محطة عابرة يُودَّعون باستغناء عنهم. حال الرئيس باراك أوباما في أذهان غير الأميركيين الذين تعلقوا بوعوده التي أغدق بها على العالم، ليست جميلة، فهو الرجل الذي امتطى فرساً إلى أحلام الأكثرية في العالم ورغباتها، ثم أتت الاستفاقة إلى الواقع البراغماتي ورافقتها خيبات الأمل. يحق للذين خابت آمالهم أن يغضبوا وينددوا بأن أوباما وسّع بيكار الوعود لتشملهم وتجعلهم يشعرون أنهم من قاعدته الشعبية، ثم اصطدموا بالواقع العملي، وهو أن باراك أوباما رئيس أميركي وليس رئيساً عالمياً، وبالتالي هو جزء من شبكة الحكم في الولايات المتحدة -establishment- التي تصنع السياسة الأميركية البعيدة المدى وتحفظ المصالح الأميركية على حساب أي اعتبارات أخرى، شاء أم أبى. وعلى الرغم من ذلك، لا مناص من تحمّله مسؤولية ما اختاره من سياسات السلطة التنفيذية حتى لو كانت جزءاً من الاستراتيجيات المرسومة قبل عقود، ولعقود آتية. قراءة ما جاء في خطاب «حال الاتحاد» وما غاب عنه مفيدة، لكن الإفراط فيها مضر، لأن الرئيس الأميركي في البيت الأبيض يشكل الجزء وليس الكل للسياسة الأميركية الاستراتيجية. التكتيك مهم للمعنيين بالسلطة في مختلف المواقع إن كانوا يملكونها أو إن كانوا يخططون لامتلاكها، ولأن المنطقة العربية مليئة بالنوعين، ستتعدد القراءات وستتزاحم التفسيرات لمعنى ما جاء وما غاب عن الخطاب، لأن وطأتها على الرجال في السلطة والساعين وراءها تُترجَم بأفعال على الساحة اللاأميركية. في اليمن، حيث تشن الطائرات الأميركية بلا طيار حرباً على «القاعدة» منذ سنوات، تبيّن أن «سياسة الدرونز» قاصرة، لأنها لا تترافق مع جمع المعلومات الاستخبارية على الأرض لكي تكون حرب «الدرونز» على «القاعدة» فاعلة. ولأن ما يتحكّم بسياسة أوباما المبنية على رغبات الشعب الأميركي هو «نظافة» الحروب الأميركية، بمعنى ألا ترافقها دماء الأميركيين، استمرت سياسة التحليق فوق الأرض في اليمن والاكتفاء بمراقبة أخطر تطوّر في حرب متعددة الأطراف والهويات وصلت إلى انقلاب بات معلّباً جاهزاً لخلع الحكومة الصديقة للولايات المتحدة. سياسة غض النظر التي اعتمدتها إدارة أوباما في أكثر من مكان لا تعني بالضرورة أن تلك الإدارة اختارت طرفاً على الآخر. إنها تكتيك في استراتيجية عدم الانجرار إلى حروب الآخرين. وهي أيضاً جزء من سياسة بدت واضحة في عهد أوباما قوامها الاستنزاف. فإذا كان الرد على عنجهية الحوثيين المدعومين من إيران واعتقادهم أن في وسعهم السيطرة على اليمن، هو باستنزافهم على أيدي «القاعدة» فليكن، وليكن اليمن مقبرة الطرفين، فقد سبق وأصبحت سورية مقبرة جميع الأطراف في حرب استنزاف لن تنتهي لمصلحة أي طرف فيها. الولايات المتحدة ليست طرفاً مباشراً في حروب الاستنزاف، وهذه سياسة وليست صدفة. هذه السياسة ليست حكيمة، إنها استثمار خطير في تنمية التطرف بجميع أنواعه مهما كانت حالياً ومرحلياً تخدم سياسة اللاانجرار واللاتورط التي يعتمدها الرئيس أوباما. صحيح أن التربة في المنطقة العربية خصبة وجاهزة للتطرف بإيماءة من أيٍ كان –وليس بالضرورة من الولايات المتحدة وحدها–، لكن السياسات الأميركية نحو المنطقة ليست بريئة من فنون الإيماء والإيحاء التي أوقعت المنطقة العربية في دوامة التغيير الفوضوي والدموي، فليس أمراً عابراً أو تطوراً أتى سهواً أن الولايات المتحدة تخلّت في عهد أوباما عن حلفاء لها هم في الحكم لعقود، منهم من تحولت البلاد بعده إلى شريعة الغاب وتشرذم مذهل، كما في ليبيا، ومنهم من عاد انتقاماً من سياسة الاستغناء الأميركية التي أصابته، مثل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي يتحالف الآن مع الحوثيين بهدف العودة إلى السلطة ولو على انقاض اليمن المُستَنزَف. الناحية الأخرى الخطيرة في السياسة الأميركية هي تعمد التضليل طالما أن ذلك يخدم المصلحة الأميركية، فالمؤسسة الحاكمة الأميركية بمختلف وزاراتها ودوائرها تدرك أن لديها كلاً من أدوات الإغراء والعقاب التي ربما لا تملكها أي دولة أخرى، وتعرف أيضاً أن لدى قادة العالم –حتى الذين يكرهون الولايات المتحدة أشد الكره– رغبة مبطنة بأن يكونوا مؤهلين للشراكة مع واشنطن أو للقبول الأميركي بهم مشروعاً للشراكة. هؤلاء في الحسابات الأميركية تربة جاهزة للتضليل عبر الإيحاء والإيماء لهم بأنهم مشروع إعادة تأهيل أو مشروع شراكة. الرئيس السوري بشار الأسد يبدو في هذه المرحلة جاهزاً للرهان على مشروع شراكة الأمر الواقع مع الولايات المتحدة في الحرب على «داعش»، وقد يفترض أنه في صدد إعادة التأهيل الأميركي له لدرجة نجاته من سياسة الاستغناء المعهودة. لا بد وأنه ارتاح كثيراً لمّا غاب ذكره عن خطاب «حال الاتحاد»، متناسياً أن السياسة الرسمية المعتمدة للولايات المتحدة هي أن عليه أن يرحل. ولعله قرأ في الصحافة الأميركية أن إدارة أوباما غير مستعجلة لرحيله، فغض النظر عن بقية الجملة، وهي أنها تريد أن يكون رحيله تدريجياً، وهي تتهيأ للفصل بين رحيله عاجلاً أو آجلاً وبين بقاء أركان في النظام السوري في السلطة. وربما يعتقد بشار الأسد أن أمامه فترة الثلاث سنوات التي يتحدث عنها الأميركيون للانتصار في الحرب على «داعش» ويظن أن في وسعه التذاكي وقلب الموازين الأميركية لصالحه والبقاء في السلطة. هذه حساباته وأحلامه، كما يبدو. وليس مستبعداً أن تكون واشنطن تغذي تلك الأحلام والحسابات في سياسات التضليل التي تعتمدها. حتى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يفتخر القائمون على الحكم فيها بالحنكة والحذاقة السياسية، تعلَّم هؤلاء ألا يستهزئوا ببساطة و «سذاجة» الأميركيين. تعلموا أن أقطاب السلطة في الولايات المتحدة ليسوا بسطاء أبداً، ولا هم ساذجون. جزء من الحاكمين في إيران، مثل «الحرس الثوري»، يعتقد انه يتذاكَى على الأميركيين، فيحالفهم في العراق في الحرب على «داعش» ويقودهم إلى القبول بحليفهم الأسد في السلطة وبدور أساسي لهم في سورية تحت راية الشراكة في الحرب على «داعش»، لذلك يتدفق «المستشارون» العسكريون الكبار والمحاربون الإيرانيون إلى سورية لدعم حليفهم «حزب الله» في دعم النظام في دمشق تحت غطاء سياسة غض النظر الأميركية، لكن العملية العسكرية الإسرائيلية في الجولان التي أودت بحياة كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين وفي «حزب الله»، أتت لتذكِّر المعنيين أن غض النظر لا يعني تأشيرة مفتوحة بلا مراقبة وحساب. هذه رسالة أميركية بقدر ما هي إسرائيلية، موجهة إلى أقطاب الحكم في إيران و «حزب الله» عبر الجولان، والرسالة هي أن واشنطن راغبة حقاً في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، شرط أن يكون الاتفاق خالياً من «الحنكة» الإيرانية التي تتذاكى على «السذاجة» الأميركية. فواشنطن تراقب إيران تتورط في اليمن بعدما أفرطت في التورط في سورية، وهي تراقب آثار انخفاض أسعار النفط وطوق العقوبات الذي يكبلها بكل ارتياح، فـ «حال الاتحاد» الأميركي بخير هي ذي الرسالة إلى قادة العالم، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي راهن على سذاجة «العجوز» المسماة الولايات المتحدة الأميركية.