خلال عقد من الزمن، حكم فيه الملك عبدالله بن عبد العزيز المملكة العربية السعودية، شهد العالم ثورات وسقوط أنظمة وحروب مستمرة وفتن طائفية، كان أغلبها في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني من عدم استقرار مزمن، واجهها العاهل السعودي بسياسة برغماتية هادئة لكن حاسمة. وعلى الرغم من أن السعودية لم تعش هذه الأحداث ميدانياً، لكنها جميعها اعتبرت خطرا عليها، حيث واجهت المملكة ثلاثة تهديدات رئيسية خلال هذه السنوات، وهي الاضطرابات الإقليمية، أو ما يعرف بـ الربيع العربي، والبرنامج النووي الإيراني، وصعود الحركات الإرهابية. وإبان تصاعد شرارة الانتفاضات العربية، تبنت المملكة العربية السعودية استراتيجية خارجية تتسم بطابعين: الأول يمكن تسميته السيطرة على الضرر، وهو ما حدث في مواقفها في اليمن والبحرين وربما سوريا. أما الطابع الثاني، فيرتبط بمحاولة ملء الفراغ الاستراتيجي، الذي خلَّفه غياب دول محورية مثل مصر وسوريا والعراق. سوريا في مارس 2011، بدأت الأزمة في سوريا، لكنها سرعان ما تحولت حرباً أهلية.وفي البداية تعاملت المملكة مع الموقف وفق قواعد الشرعية الدولية وعَبر مجلس الأمن الدولي. ومع تأزم الوضع استدعى خادم الحرمين الشريفين سفير المملكة في دمشق، ووجه نظره إلى لبنان داعياً إلى النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية، خصوصاً الأزمة السورية. وأيضاً رفضت المملكة إلقاء كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الرابع والعشرين من سبتمبر أ2013، لعدم تحرك مجلس الأمن في الشأن السوري أو القضية الفلسطينية. كما اعتذرت السعودية عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، لمدة عامين، اعتباراً من بداية يناير 2014، اعتراضاً على آلية إدارة المؤسسات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن. وإلى البحرين، الجار الأقرب، شكل اندلاع الأزمة في فبراير 2011 تحدياً جديداً للمملكة، فأخذت على عاتقها إنهاء الوضع، وأرسلت قوات سعودية للحفاظ على نظام الحكم والأمن. وفي اليمن، ساهم الملك عبدالله في إنهاء الأزمة، عبر وضع حدّ لحكم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح عبر المبادرة الخليجية، وعلى أساسها، انتخب الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. على خط مواز، لطالما شكلت إيران وأذرعها في المنطقة، هاجساً عميقاً للمملكة، ففي أبريل 2008، أعلنها الملك عبدالله صراحة، لسفير الولايات المتحدة آنذاك لدى العراق، ريان كروكر، والجنرال الأميركي ديفيد بتريوس، اقطعوا رأس الأفعى، في إشارة لإيران. كما قدم الملك نصائح متكررة للولايات المتحدة لوضع حد لبرنامج إيران النووي. مصر والإخوان وبالخروج من الدائرة القريبة، اتخذ الملك عبدالله موقفاً حازماً ضد من يحاول زعزعة الأمن في مصر، منحازاً لثورة الثلاثين من يونيو التي وضعت حداً لحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي القادم من صفوف جماعة الإخوان المسلمين. موقف المملكة الواضح من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، استتبعه سحب السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من الدوحة التي قدمت الدعم السياسي للجماعة. لكن الأزمة الخليجية التي استمرت 9 أشهر، انفرجت في نوفمبر من العام نفسه، حيث أعاد اجتماع الرياض ترتيب البيت الخليجي الداخلي. الإرهاب وفي الملف الأخير، مكافحة الإرهاب، انضمت المملكة إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في سبتمبر 2014، وشاركت في تنفيذ أولى الضربات ضد داعش في سوريا. إلى جانب هذه الملفات الرئيسية، حافظت السعودية، خلال هذه السنوات من حكم الملك عبدالله، على دورها في الملف الفلسطيني، كما ساهمت في حل الأزمة الصومالية وتحقيق المصالحة بين الأطراف المتحاربة. ومع رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يمكن القول أن المملكة العربية السعودية، خرجت برعايته وبراغماتيته بأقل أضرار ممكنة من قلب هذه العواصف التي أحاطت بها ولا تزال.