على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة -أيدها الله- في توفير فرص العمل لخريجي الجامعات والمعاهد الفنية وتشجيع الشباب على الالتحاق بالأعمال المهنية وتقديم الدعم المالي عبر برنامج "حافز" للباحثين عن عمل، إلى جانب إلزام "وزارة العمل" شركات القطاع الخاص بتوفير فرص وظيفية عبر برنامج "نطاقات"، وكذلك الدور الذي يؤديه صندوق الموارد البشرية "هدف" في هذا الجانب، إلاَّ أنَّ هناك مشكلة تواجه العديد من الشباب فيما يتعلَّق بماهيَّة الوظائف التي تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية ورغباتهم وميولهم الشخصية، وبالتالي فإنَّنا قد نرى الجهود المبذولة في هذا الشأن تذهب سدى وتؤدي في النهاية إلى نشوء ما يُعرف ب "البطالة المُقنَّعة"، حيث إنَّ هناك العديد من الوظائف التي يشغلها بعض الشباب على الورق في القطاع الخاص دون أن يمارسونها على أرض الواقع. وأكد أكاديميون ومختصون على أنَّ انعدام الخبرة في العمل وطريقة البحث عنه تجعل كثيراً من الشباب حيارى لا يدرون ماذا يفعلون ويتخبطون في البحث عن العمل، الأمر الذي يؤدي إلى إهدار طاقاتهم ويُبدِّد مقدرات الأمة، مبينين أنَّ الوضع الحالي لخريجي الجامعات والمعاهد المهنية يحتاج إلى آلية تضعهم في المكان المناسب، مشيرين إلى أنَّ الأمر يحتاج إلى بحث وتقصٍ يُفضي إلى إنشاء مراكز متخصصة في مدن "المملكة" تعمل على توجيه الشباب تجاه الوظائف المناسبة لهم أو تشجيعهم على ممارسة الأعمال الحرة. تحقيق التطلعات وقال "محمد بن علي البيشي" -عضو مجلس إدارة تنمية أحياء وسط الدمام- : "من المؤكد أنَّ الحياة لا تستقر إلا بالعمل، كما أنَّ الناس يحترمون العامل المُجد"، مضيفاً أنَّ عمر "الفاروق" -رضي الله عنه- قال: "أرى الرجل فيعجبني، فأسأل ألهُ عمل؟، فإن قالوا: لا.. سقط من عيني"، موضحاً أنَّه جاء في الحديث أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الله يحب المؤمن المحترف"، لافتاً إلى أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ومن سار على دربهم عملوا قدر استطاعتهم في خدمة دينهم وأمتهم. وبيَّن أنَّ رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حثَّ على العمل إلى أن تقوم الساعة، إذ قال :"إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"، موضحاً أنَّ وجود المراكز المُتخصصة بالتوظيف والعمل الحر يُعدُّ دعامة فاعلة لتحقيق تطلعات القيادة الحكيمة في الدفع بالشباب إلى سوق العمل، سواءً المؤسسيّ أو الحر. بطالة مقنعة وأشاد "البيشي" مشيداً في هذا المجال ببرنامج التوظيف الجديد بجمعية البر في "المنطقة الشرقية" لتوظيف الشباب براتب مناسب، مضيفاً أنَّ هذا البرنامج يخضع لمراقبة دقيقة من قبل المسؤولين عن البرامج للتأكُّد من صحة بيانات المتقدمين، مؤكداً على أنَّ وجود مراكز متخصصة بالتوظيف تتمتع بالواقعية في اختيار ما يناسب سوق العمل وتدفع بالشباب لاكتساب خبرات تراكمية، من شأنها أن توجد لهم مهنة يتسلحون بها في مستقبل حياتهم بإكسابهم بعض المهارات البسيطة التي تمكنهم من أداء الوظائف التي ستسند إليهم مستقبلاً. وأضاف أنَّ المراكز بهذه السمات الخدمية ستُعالج مشكلة البطالة وتُقلِّص كثيراً من أثر مسألة تؤرق المجتمع وتستنزف مدخراته في فئة تحتاج لمساعدة حقيقية، مع أهمية وضع برامج مدروسة لتقليل فرص التسرب الوظيفي لدافع أو آخر، مؤكداً على أنَّ هذه المراكز ستقضي على التوظيف العشوائي الذي ينتهي بالبطالة المقنعة، مشيراً إلى أنَّ هذا هو من ضمن الدور الرقابي اللاحق لمثل هذه المراكز. وأوضح أنَّ التوظيف الحقيقي يقضي على فرصة التوظيف الوهمي والبطالة المقنعة والتي تبقي المكان شاغلاً لكن بدون عائدٍ فاعلٍ على المجتمع في تقدمّه, مقترحاً أن يتم تفعيل دور الجمعيات الخيرية بتحويلها إلى مراكز توظيف تدعم الإنتاجية بحيث يكون المواطن إيجابياً، لا أن تساعده على الخمول والتقاعس عن العمل. دورات تأهيلية ولفت "د.عبدالرحمن الربيعة" -رئيس اللجنة الوطنية للتدريب- إلى أنَّه أصبح من الضروري إيجاد مراكز متخصصة في توجيه الشباب للوظائف أو العمل، موضحاً أنَّه يوجد في العديد من الجامعات في الدول المتقدمة مرشدون متخصصون للالتقاء بالطلاب بعد اعتماد قبولهم للتعرُّف على ميولهم ورغباتهم ومن ثم توجيههم لدراسة التخصصات التي تناسبهم، مشيراً إلى أنَّ العديد من الشباب الباحثين عن الوظائف كثيراً ما يقعون في حيرة من أمرهم؛ لعدم وجود مراكز متخصصة تعمل على استقطابهم وإلحاقهم بدورات تأهيلية تتوافق مع ميولهم، ومن ثم توجيههم للشركات التي لديها احتياج لهذا التخصص أو ذاك. وأضاف أنَّ المراكز المتخصصة في توجيه الشباب سوف تسهم بنسبة كبيرة في الحد من ظاهرة التسرب الوظيفي الذي تتم ملاحظته في العديد من شركات القطاع الخاص، مرجعاً السبب في ذلك إلى أنَّ الشاب قد يعمل في الوظيفة المُتاحة ويقبل بها وتكون رواتبها غير مجزية وهي في الأصل لا تتوافق مع ميوله فيبحث عن فرصة وظيفية أخرى تتوافق مع تطلعاته، مشيراً إلى أنَّ العديد من الباحثين عن عمل في الوقت الراهن لا يعلمون إلى أين يتوجهون، الأمر الذي أوجد ما يُعرف بالتوظيف العشوائي المنتهي عادةً بالبطالة المقنعة. مؤهلات علمية وأشار "د.عبدالرحمن بن محمد القرشي" -عميد كلية المجتمع، وعميد عمادة خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة نجران- إلى أنَّ الشباب حديثي التخرج من الجامعات يحملون مؤهلات علمية متباينة ويملكون كماً كبيراً من المعلومات التي تحتاج أن تُصقل وتُوضع في قالب يجعلها تناسب العمل التطبيقي، موضحاً أنَّ الشباب العاطلين عن العمل يحتاجون إلى جهات متخصصة تعمل على تحفيزهم وتدريبهم لفترات قصيرة؛ ليكونوا قادرين على العمل. وأكد على أنَّ انعدام الخبرة في العمل وطريقة البحث عنه تجعل كثير من الشباب حيارى لا يدرون ماذا يفعلون ويتخبطون في البحث عن العمل، الأمر الذي يؤدي إلى إهدار طاقاتهم ويُبدِّد مقدرات الأمة، مبيناً أنَّ الوضع الحالي لخريجي الجامعات والمعاهد المهنية يحتاج إلى آلية تضعهم في المكان المناسب، مشيراً إلى أنَّ الأمر يحتاج إلى بحث وتقصي يُفضي إلى إنشاء مراكز متخصصة في مدن "المملكة" تعمل على توجيه الشباب تجاه الوظائف المناسبة لهم أو تشجيعهم على ممارسة الأعمال الحرة. كوادر متخصصة وذكر "د.القرشي" أنَّ العديد من شباب الوطن يملكون المواهب والإبداعات، بيد أنَّ هناك ضعفاً وتقصيراً في إرشادهم، موضحاً أنَّ المراكز المتخصصة بتوجيه ودعم الشباب تجاه الوظائف أو الأعمال الحرة ستلعب دوراً مهماً وبارزاً في معرفة قدراتهم المعرفية وتوظيفها، وبالتالي مساعدتهم للحصول على وطائف تناسب قدراتهم أو تمكنهم من الدخول في أعمال حرة مناسبة، مبيناً أنَّ السوق المحلي يحتاج إلى الكوادر المتخصصة، بيد أنَّ الوضع الراهن ضيَّع الكثير من المواهب ووجهها التوجيه الخاطئ، مضيفاً أنَّ المراكز المتخصصة ستحل مشكلة عدم وجود الوظائف المناسبة أو الفرص المتاحة للشباب، وقال:"يجب أن تضم هذه المراكز مختصين في التوظيف يُطبقون الإستراتيجيات الوظيفية المناسبة، إلى جانب وجود قاعدة بيانات بالوظائف المتاحة تكون مرتبطة بمكاتب العمل". سيرة ذاتية وشدَّد "د.القرشي" على ضرورة إجادة الشباب طريقة إعداد السيرة الذاتية، مضيفاً أنَّ هناك من فقد فرصة الحصول على بعض الوظائف المناسبة له نتيجة عدم إجادته كتابة سيرته الذاتية، مقترحاً أن تعمل هذه المراكز على إنشاء برنامج معسكرات عمل بدوام كامل لمدة أسبوعين على الأقل ينضم إليه الشباب الذين لا يدرسون في المدارس والعاطلين عن العمل لتمكينهم من إيجاد فرص عمل مناسبة. ولفت إلى أنَّه من المناسب أن يعمل هذا البرنامج على تدريب هؤلاء الشباب على المهارات الحياتية، على أن يتم تدريب كل شخص على حسب المهارات التي يمتلكها بحيث يتم تطويرها في فترة وجيزة؛ مما يمكنه من الحصول على فرصة عمل أو تشجيعه لممارسة عمل خاص يتناسب مع قدراته، داعياً هذه المراكز إلى تقديم دعم مالي جزئي للراغبين في الولوج إلى سوق العمل الحر، على أن يكون مصدر هذا الدعم من قبل البنوك ومؤسسات الدولة أو المنظمات الخيرية. وأوضح أنَّ إنشاء هذه المراكز سيُساعد في محاربة البطالة ومساعدة الشباب في إيجاد فرص العمل المناسبة، إلى جانب توسيع قاعدة مشاركة كافة المؤسسات في توظيف الشباب، وكذلك مكافحة التشغيل العشوائي الذي عادة ما يُفضي إلى البطالة المقنعة التي من الممكن أن تعصف بالخدمة العامة إذا لم يتم تدارك الأمر بالسعي في إنشاء هذه المراكز.