كيف نجح صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله، في تحرير المسجد الأقصى من قبضة الصليبين؟ لماذا فشلت أمتنا في استرداد القدس رغم مرور 97 عاماً منذ سقوطها بأيدي الإنجليز؟ من البديهي أن الموضوع يتطلب مجلدات ودراسات،، ومع ذلك تحاول مقالة اليوم الإجابة باستخلاص عدد من الدروس، ومن أهمها: وضوح الهدف: من أهم القواعد الإدارية توضيح الهدف الاستراتيجي للدولة أو المؤسسة، ونجد صلاح الدين حدد هدفه بتحرير القدس وركز عليه وعلى الأهداف المرحلية دون الالتفات للمعارك الجانبية. فبعد تمكنه من استرداد مدينة (نصيبين) ذات الموقع الاستراتيجي بدأت القوات الصليبية تغير على قرى دمشق فما كان منه إلا أن قال:»دعوهم.. ففي الوقت الذي يهدمون فيه القرى، نستولي نحن على المدن. وعندما نعود، سيتعين علينا جمع المزيد من القوة لمحاربتهم». أهمية الانتصار في معارك التنمية: من الأخطاء الفاضحة مقولة: (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!!). فمعركة تحرير الأقصى معركة تنمية شاملة لأمتنا ضد مشروع استعماري يسعى لإخضاعنا اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بل وحتى ثقافياً. وكثيراً ما كان صلاح الدين يجلس في دار العدل بدمشق والقاهرة وغيرها يرفع المظالم ويعيد الحقوق الى أصحابها، ونال صلاح الدين إعجاب أهل الرقة بعد إقرار عدد من الإصلاحات وإلغاء عدد من الضرائب وفي ذلك مقولته: «إن شر الحكام هم من يسمنون وشعوبهم جياع». تحصين الجبهة الداخلية: واجه صلاح الدين عدة محاولات اغتيال منها ماكان من الفاطميين أثناء توليه وزارة مصر،، وكان استعداده رحمه الله جيداً حين تخلص من الحرس الموالين للخليفة الفاطمي العاضد لدين الله بحراس مخلصين له. كما حاول الحشاشون أكثر من مرة اغتياله ووصلوا إلى خيمته في إحدى المرات ولكن الله سلم. هذا الأمر دفع صلاح الدين ليبرم تحالفاً مع الزنكيين ويبرم معاهدة سلام مع مملكة بيت المقدس ليتفرغ لمهاجمة معاقل الحشاشين. السياسة الخارجية الذكية: خاض صلاح الدين غمار المعارك الدبلوماسية والمفاوضات لرسم التحالفات أو احتواء الخلافات بكفاءة لا تقل عن كفاءته العسكرية. حيث استطاع بنبل أخلاقه وتعامله أن يفرض احترامه على أعدائه كريتشارد قلب الأسد. وعندما زار امبراطور ألمانيا فيلهم الثاني دمشق، توجه إلى قبر صلاح الدين، رحمه الله، ووضع باقة زهور مكتوب عليها «ملك بلا خوف ولا ملامة، علّم خصومه الفروسية الحقيقية». ولعلي أستشهد هنا مرة أخرى بحربه على الحشاشين فبعد أن استهلكت الغارات وقتاً وجهداً وأدرك أنه عاجز عن القضاء عليهم أمر جنده أن يتواصلوا مع الحشاشين ليبرم اتفاقية تضمن له نصراً مختلفاً هو حرمان الصليبيين من التحالف مع الحشاشين ضده!! إعداد القوة العسكرية المتقدمة: سلح صلاح الدين جيوشه بأحدث المعدات العسكرية في عصره من المجانيق والدبابات وعربات الأسهم. وفي زماننا الذي تتحكم فيه الدول المتقدمة بالأسلحة التي يمكن تصديرها فلا سبيل إلى الاقتراب لمستوى التكافؤ العسكري إلا عبر تنويع التحالفات الدولية لشراء الأسلحة والمعدات من ناحية وبناء قدرات علمية وتقنية ذاتية قادرة على التطوير والابتكار. وأخيراً، فمن يتباكى على واقعنا كأمة، عليه تذكر أن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وكلي ثقة في الله عز وجل وأملي كبير بأن أجيالنا الصاعدة فيها الخير وعلى يدها ستكون نهضة الأمة وعودتها إلى مراكز القيادة والريادة العالمية في شتى المجالات.. وأما المطالبون بعودة أبطال الماضي لينقذونا فيرد عليهم الشاعر (وحيد الدهشان) في قصيدته (ماذا لوعاد صلاح الدين؟) بقوله: كل الفوارس في التاريخ تعلنها.... تباً لدنياكمُ دعنا بمثوانا