تنهض هذه الدراسة التي بين أيدينا وتحمل عنوان «طينة نبي الله عيسى» للكاتب عبدالرحمن الرفاعي على «إثبات بشرية نبي الله عيسى عليه السلام» وهي مسألة طالما كانت مدار بحث ونظر من جانب علماء الأديان والباحثين والأدباء في الشرق والغرب، فسبق للأديب العربي جبران خليل جبران وهو مسيحي الديانة أن ألف كتابا في هذه المسألة سماه «عيسى بن الإنسان»، ولكن الجديد الذي طرحته هذه الدراسة ضمن منحاها العام والذي أشرنا إلى أنه مطروق هو تناولها لنوعية الخامة الطينية التي خلق منها جسد نبي الله عيسى عليه السلام. ولقد اعتمدت منهجية الدراسة في تناول المسألة على إثارة الأسئلة الكفيلة بتبيان نواحي الخصوصية في عملية خلق سيدنا عيسى عليه السلام، والتي تستقصي في هذا الإطار طبيعة الطينة التي خلق منها مقارنة بالطينة التي خلق منها بقية البشر وأوجه الاختلاف بينهما، وكذلك ماهية العنصر الروحي الذي نفخ في هذه الطينة التي استوى بها جسد عيسى النبي. وانطلقت الدراسة في تحري شروط تلك الطينة الخاصة – كما افترضت – من تحقيق أبعاد عملية المثلية والتشابه بين نبي الله عيسى وآدم عليه السلام والتي أشارت إليها الآية (59) من سورة آل عمران (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) فنصت على أن «تلك المثلية (كمثل آدم) في الخلقة كانت في جزء من كل وكل من جزء.. فهو مثل آدم عليه السلام في قانون خلقته (كن فيكون).. إذن فهو مثله في كل، ولكون قانون خلقتهما واحدا.. وهو مثله في جزء من كل، لأن آدم عليه السلام كان وجوده بدون تحقق وجود السببين المباشرين في الخلق – الأب والأم – أما عيسى فقد كان وجوده بتحقق وجود سبب واحد، وهو وجوده عن طريق الأم فقط، إذن فهو جزء من كل، وتستمر بذلك تلك المثلية بينهما وإن أظهرت بعض جوانبها بعض الاختلافات ككون آدم عليه السلام كان وجوده في الملأ الأعلى، أما عيسى عليه السلام وإن كان وجوده في البيئة الدنيوية إلا أن ذلك كان ظاهريا إذ الحقيقة أن كل خصائص الطبيعية المكانية للبيئة التي وجد فيها آدم عليه السلام وكانت تحكم طبيعته الجسدية هي نفسها الخصائص التي وجد فيها نبي الله عيسى عليه السلام وكانت تحكم طبيعته الجسدية». وترد الدراسة اختلاف قانون خلق عيسى النبي عن قانون خلق النشأة الدنيوية لبقية البشر إلى اختلاف طينة النشأتين الدنيوية والأخروية، وانتماء خلق عيسى النبي إلى نوع النشأة الأخروية، حيث يعتبر خلقه وفق هذه النموذج في النشأة برهانا إعجازيا على قدرة الله تبارك وتعالى في بعث جميع البشر من الفناء إلى الحياة يوم القيامة، أما عن أوجه اختلاف النشأتين فتخلص الدراسة إلى أن النشأة الأولى «الدنيوية» قائمة على المادة العضوية المستمدة من تراكيب ذرة الكربون ومن خصائصها التحول المستمر في دورات متتابعة من البناء والهدم، فيما تقوم النشأة الأخروية على جنس الروح التي قد تكون تركيبة الروح من صورها ومن خصائصها انتقاء الحياة أو الموت عن البشر وديمومة الحياة الأبدية. وفي معرض توضيحها لأوجه الاختلاف بين النشأتين تذهب إلى أن طينة عيسى النبي تختلف عن طينة بقية البشر في عدد من الفروق منها: خلو طينة عيسى عليه السلام من مرحلية النطفة وأطوارها، وخلو هذه الطينة من عنصر الكربون المرتبط أمره بأمر الموت ودواعيه، لذلك رفع سيدنا حيا إلى السماء دون أن يمسه الموت رغم إحاطة أعدائه به، واصطفاء الله تعالى لمريم العذراء عليها السلام والطعام التي كانت تأكله وطهارتها من الطمث والحيض بما عليه بنات جنسها من النساء. وتنتهي الدراسة عبر سياقها البرهاني المبني على طرح السؤال والإجابة عليه إلى أن خلق عيسى النبي لم يكن بمباشرة أب آدمي وإنما بمباشرة نفخة نورانية روحانية، وتتعمق في تبيان ذلك فتوضح أن النفخة كانت في الحقيقة نفختين كما يفهم من تحليل مرجع الضمير في الآية (91) من سورة الأنبياء (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين) والآية (12) من سورة التحريم (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) والعائد في الآية الأولى على مريم (فنفخنا فيها) وفي الثانية على فرجها (فنفخنا فيه)، النفخة الأولى كانت في جسد السيدة مريم عليها السلام وتوجهت النفخة إلى المحتوى الجيني الأنثوي الذي تساهم به كل أنثى من خلال البويضة جينيا في تكوين الجنين إلى جانب النصف الآخر الذي يشارك به الرجل، والنفخة الثانية وهي التي يشترك فيها نبي الله عيسى مع بقية البشر عندما ينفخ الملك فيهم الروح عند استواء تكوينهم في الرحم. وتندرج الدراسة الصادرة عن «دار صرح للطباعة والنشر» في القاهرة ضمن مشروع المؤلف عن سلسلة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة المطهرة، وتقع الدراسة في (354) صفحة من القطع الصغير.