×
محافظة المنطقة الشرقية

خلال ترؤسه مجلس المنطقة.. أمير الشرقية مبشراً الأهالي: توقيع محضر مشروع النقل العام مع الوزارات المعنية للدمام والقطيف ومطار الملك فهد

صورة الخبر

كبيرهم تعدى السبعين، وأوسطهم في الـ63، ورئيسهم في الـ62! عقيدتهم قائمة على السمع والطاعة لكل من كان أكبـرهـم سناً وأسـبـقهم تـدرجـاً في هـرم الجماعة، فـحرية الرأي مكفولة على مسـتوى أسر الجماعة وشعبها ومناطقها، لكن قرارات الجماعة لا تصل بأي حال من الأحوال في مرحلة بلورتها واتخاذها إلى المستويات الدنيا من الشعب والمناطق، حيث شباب «الإخوان». تاريخهم الحديث الذي أدى بهم إلى السلطة شابه خلاف غير مسبوق بين كبارهم وشبابهم الذين طالبوا بالانضمام لدعوات الثوار الأصليين في فعاليات ثورة يناير، وهي الدعوات التي قوبلت برفض عتيد بحكم أن «الخروج على الحاكم حرام شرعاً»! لكن حين اتضح أن الخروج على الحاكم قد يسفر جلوس كبارهم على كرسي السلطة، «تحول الحرام حلالاً»، وصار «الإخوان» جزءاً لا يتجزأ من ثورة الميدان. وتم إفساح الطريق وتمهيده وتعبيده لاستقبال جماعة الإخوان المسلمين على رأس السلطة الحاكمة في مصر ليتسلم البلاد وشؤون العباد كبار الجماعة دوناً عن شبابها الذين لم يشكوا أو يبكوا، فهذا حال الجماعة، ولا مجال للاعتراض ولا موطن لانتقاد. ولا مجال للاستغراب اليوم حين ينظر المصريون الى حال الجماعة بعد نحو ثلاثة أشهر من عزلها عن حكم مصر وقد حولت شبابها إلى سلاسل بشرية متنقلة يميناً ويساراً، مرة في مسيرات «ضد الانقلاب»، ومرة في تظاهرات أعلى الجسور لتعطيل المرور وخنق الانقلاب، ومرة ثالثة برن الهواتف المحمولة لعرقلة الاتصالات، وأخيراً الدفع بهم إلى الشوارع والميادين رافعين شارات أردوغان الصفراء وهاتفين بسقوط الجيش ومنددين بشرطة الشعب. هكذا قال لهم كبارهم، وهكذا تم شحن عقيدتهم وشحذ همتهم وشحت حراكهم. الحراك الشبابي «الإخواني» الحالي والمؤجج من قبل من تبقى خارج السجون من القيادات الموكلة إليها مهمة التكتيك والترتيب والتمويل والتنظيم، محرك «من بعد» عبر رسائل مصورة تخصصت في بثها قناة «الجزيرة» (وهي الوحيدة التي يثق في محتواها محبو الجماعة) وتغريدات وتديونات تتداول عبر «تويتر» و «فايسبوك». الطريقة الوحيدة المتبقية إذاً لتجييش قواعد الجماعة هي طريقة عنكبوتية ترتبط ارتباطاً أصيلاً بفئة عمرية هي الوحيدة القادرة على بث واستقبال أوامر التحركات، وهي الفئة المتمثلة في شباب الجامعات إضافة إلى قطاعات من «ألتراس» التي بات واضحاً أن الجماعة قد لجأت إلى خدماتها المتخصصة من باب «الغاية تبرر الوسيلة». وتظل وسيلة الاعتماد الحالي شبه الكلي على شباب الجماعة هي طوق النجاة الوحيد المتاح لها للبقاء على قيد الحياة. وعلى غرار النكتة التي تقول ان الطبيب ضحى بالأم والمولود ليبقى هو على قيد الحياة، فإن الجماعة تضحي بالأخوة والأخوات (إضافة إلى خبراء الألتراس الذين لجأوا إليهم اتباعاً للمبدأ المكيافيللي الشهير) ليبقى كيانها على قيد الحياة أملاً في اقتناص السلطة مرة أخرى، وإنقاذاً لما يمكن إنقاذه من مصيرالجماعة كتنظيم دولي قادر عبر الدعم والتمويل والضغط على الإبقاء على شريانها في مصر حياً يرزق. وتلوح في الأفق بوادر ومخاطر قد تنجم عن إصرار قيادات الجماعة على استغلال شبابها كدرجة يخطون عليها علّها تقربهم من كرسي السلطة مجدداً. فما وقوع بضع «شهداء» من الشباب يتم الدفع بهم في مقدمة صفوف تظاهرة غاضبة هنا، أو مسيرة مدمرة هناك، أو محاولة مستميتة لاحتلال ميدان التحرير وتصوير جثامينهم وبثها عبر قناة «الجزيرة» وإرسالها إلى قنوات الغرب الداعم، إلا خطوة على الطريق. وفي إطار دراسة أجرتها الباحثة في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتورة رابحة علام عن «خصائص جيل الشباب في التيار الإسلامي» عقب ثورة يناير، رصدت فرقاً بين الجيل الإسلامي الأكبر وبين شباب هذا التيار، إذ «انشغل الكبار وقت شبابهم بأسئلة مختلفة عن تلك التي تشغل شباب الإسلاميين، فقضية مزاولة السياسة ضمن الأطر القائمة للدولة الوطنية كانت محل جدل في مقابل عدد من الأطروحات العنيفة التي تبنتها الجماعات الجهادية في سبعينات القرن الماضي والتي استمرت إلى التسعينات. وكان الجدل السائد حينئذ بين العمل العنيف الذي يقضي على الدولة القائمة ويعيد بناء الدولة الإسلامية عبر التغيير اللحظي وبين العمل السياسي والنقابي الذي يصلح في هياكل الدولة القائمة تدريجياً لحين تحولها إلى إسلامية». ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه من دون أن يتعلم أحد درساً مستفاداً أو خبرة مضافة. فالتيار الإسلامي تأثر بالسياسات المتبعة معه من قبل النظام القائم. وتقول علام: «بينما عرف جيل السبعينات والثمانينات انفتاحاً سياسياً نسبياً تعامل معه على أساس حرية الاختيار بين بدائل عدة تراوحت بين السلمي والعنيف، وبين السياسي المحافظ والسياسي المنفتح، كان جيل التسعينات خاضعاً لسلسلة من المطاردات الأمنية والتضييق الخانق الذي جعله يحجم عن تبني خياراته بحرية ويعلي من قيمة السرية والانكفاء على الفكرة الإسلامية، ويحجم عن التواصل مع التيارات الأخرى». ويبقى السؤال مطروحاً حول تعامل النظام «الجديد» في مصر مع شباب الجماعة، وذلك بعد انتهاء فترة الملاحقات القانونية والأمنية لقياداتها المحرضة والضالعة في العنف، فهل يتعلم الدرس من التاريخ الحديث ويجد نهجاً غير قائم على النواحي الأمنية فقط للتعامل مع شباب الجماعة يحوي تعاملاً علاجياً نفسياً وتأهيلاً مجتمعياً وحوراً مراجعياً؟ أم يعتمد على المطاردات والملاحقات والتضييق لا سيما في ظل التأييد الشعبي لكل ما يتعق بالتضييق على الجماعة؟