في الثاني عشر من يونيو ٢٠٠٥، قام رجل عظيم لم يكمل دراسته الجامعية، على منصة جامعة ستانفورد؛ ليعطي نصائحه العلمية لخريجي الجامعة، ورغم أن هذا الرجل كان يصارع مرض السرطان حينها، إلا أن كلماته للمجاميع الغفيرة كانت مليئة بالحياة، وباتت خطبة هذا الرجل الذي يدعى ستيف جوبز من أعظم الخطب في تاريخ الجامعات الأمريكية. وذلك لأنها كشفت السر وراء نجاح عملاق الحواسيب في العالم ستيف جوبز، في حياته الرقمية، وكانت خطبته في ذلك اليوم هي خطبة وداع لرجل أحس بأن الموت بات قريباً جداً من أنفاسه. تحدث جوبز عن تركه لجامعة ريد أوريغون، بعد ستة أشهر من دخوله للجامعة، لكنه واصل الحضور لسنة ونصف بشكل غير رسمي؛ ليتمكن من حضور الدروس التي يحبها وتثير اهتمامه، واضطر لأن ينام على الأرض في غرفة صديق له في سكن الطلاب، وكان يجمع علب الكوكا كولا الفارغة ليعيدها مقابل خمسة سنتات؛ ليشتري الطعام، وكان يسير لأكثر من أحد عشر كيلو كل يوم أحد؛ ليحصل على وجبة مجانية من معبد هندوسي. ويَعتبر جوبز هذه الدروس -غير الرسمية- التي حضرها، نقطة تحول مهمة في حياته؛ لأنه كان يعتقد أن ما تجده بعد اتباع فضولك وحدسك لا يقدر بثمن، والطريق خارج الدروب المعتادة ستحقق معها الفارق، إذا ما كانت هذه الدروب هي نتيجة سيرك خلف أحاسيسك الداخلية التي تثق بها. القصة الأولى لشركة أبل ابتدأت في العام ١٩٧٦، من كراج سيارة والد ستيف جوبز، برفقة الشريك الوحيد حينها ستيف ووزنياك، وبعد عشر سنوات كانت قيمة أبل السوقية تتجاوز الملياري دولار بأكثر من ٤٠٠٠ موظف، وعند وفاة جوبز في عام ٢٠١١ كانت القيمة تزيد على ٣٤٦ مليار دولار، بكتيبة هائلة من الموظفين يصلون لثلاثة وسبعين ألف موظف. وعن السر خلف كل هذا النجاح، كان جوبز يقول: (العثور على ما يجب القيام به في وقت مبكر)، وبناء على حديث جوبز فعليك التفكير سريعاً في التخلص من العمل الذي لا يجب أن تقوم به، والمسارعة في البدء بالعمل الذي يجب أن تقوم به وتعشقه، وعندما تحبط تذكر أن جوبز كان يقول: (ابحث عن عمل تحبه.. واصل البحث.. لا ترضخ). من المفارقات، أن جوبز الذي أسس شركة أبل، وكان مديرها التنفيذي، طرد من أبل عام ١٩٨٥؛ لخلاف مع مجلس الإدارة في الرؤية للمستقبل، وبعدها أسس شركة نكست بأفكار ورؤية جديدة، وبعد عشر سنوات اشترت أبل شركة نكست بأربعمائة مليون دولار؛ ليعود جوبز بعدها بسنة ليكون مديراً تنفيذياً لأبل من جديد، ولم يكن جوبز يعتبر طرده من الشركة التي أسسها أمراً سيئاً؛ لأنها حررته ليبدأ فترة جديدة من الإبداع، وكشف لنا أن تفوقه على الإحباط وقدرته على العمل من جديد، بسبب أنه يحب ما كان يقوم به، ومؤمن بأن ما يفعله عمل عظيم. كانت كلمات جوبز تتناثر على المسامع على هيئة بوصلة مهيبة للحياة، وكانت تقرع أجراس الإنذار بتغيير المسار، واستمع بعمق لجملته التي تقول: (وقتك محدود فلا تضيعه بأن تعيش حياة شخص آخر)، فهو يحذرك أن تكون نسخة مزيفة لغيرك، وعندما تفكر بالصعاب والظروف انطلق من داخلك لتؤمن بكلامه الذي يقول: (لا تدع ضجيج الآخرين يحجب صوتك الداخلي). أكتب لكم هذا المقال من جهاز الآيباد الذي صنعته أبل، وأدعوكم لسماع خطبته في الجامعة، وأختم حديثي بالمقولة التي نقلها جوبز في ختام خطبته عن ستيوارت براند: (كونوا متعطشين.. كونوا مغامرين).