فرضت الأخبار الأخيرة القادمة من اليمن تساؤلات عن هوية جماعة الحوثيين وعن قيادتها، باعتبارها تلعب دور البطولة في هذه الأحداث، خاصة إثر تمكن هذه الجماعة من السيطرة على مجمع القصر الرئاسي في محاولة انقلاب، كما سمتها وزيرة الإعلام اليمنية. يذكر القائد الشاب لحركة أنصار الله الزيدية الشيعية المسلحة في اليمن عبد الملك الحوثي بزعيم حزب الله اللبناني، حسن نصرالله، من حيث الطريقة في التعبير أو في مضمون الخطاب الذي يركز على محاربة الفساد والمطالبة بالشراكة الوطنية والعداء للغرب وإسرائيل. واستلم السيد عبد الملك، الذي لم يحصل أي دراسة نظامية متقدمة، زمام الأمور في الحركة الحوثية بينما كان في الرابعة والعشرين من عمره بعد مقتل أخيه في 2004. ويتخذ الحوثيون حاليا بشكل رسمي اسم أنصار الله، إلا أن الكيان السياسي الأول الذي أسسوه كان حركة الشباب المؤمن الذي ظهر عام 1992 كتجمع سياسي مندد بـالتهميش الذي يعاني منه سكان شمال غرب اليمن، معقل الزيديين الذين يشكلون نسبة ثلث السكان في اليمن تقريبا. وشيئا فشيئا ظهرت شخصية الشاب عبد الملك الواثق من نفسه الذي يلقي خطابات طويلة ومرتجلة تبدأ دائما بالقضية الفلسطينية وإسرائيل، والذي يلوح بسبابته اليمنى بينما يزين خنصره خاتم من الفضة والعقيق. ويؤكد عدد من المحللين أن الحوثيين الذي ينتمون إلى المذهب الشيعي الزيدي، وليس للشيعي الإثني عشري المنتشر في العراق وإيران ولبنان، ما انفكت علاقتهم مع إيران تتعاظم في ظل قيادة عبد الملك الحوثي. وقد اعتبرت سيطرة المجموعة المسلحة على أجزاء من الساحل الغربي لليمن نهاية العام الماضي مكسبا إستراتيجيا لإيران التي باتت تتواجد عند باب المندب والبحر الأحمر. ويظهر الحوثي دائما بالكوفية اليمنية على كتفيه والجنبية، أو الخنجر التقليدي. ومثل حسن نصرالله، يمزج الحوثي الشاب لغة حازمة مع ابتسامات وانتقادات للفساد المستشري في بلاده، كما يعد بخطوات تصعيدية على أن يكشف عن تفاصيلها لاحقا، متقنا فن التشويق السياسي وجاذبا انتباه الإعلام بموجب جدول زمني يحدده بنفسه. ولم يتردد الحوثي بعد أن سيطرت قواته على دار الرئاسة اليمنية وحاصرت رئيسي الجمهورية والحكومة في صنعاء، بأن يهدد في كلمة ألقاها ليل الثلاثاء باتخاذ جميع الإجراءات لحماية اتفاق السلم (21 أيلول/ سبتمبر) لن يكون أي شخص، إن كان رئيسا أو غيره، فوق الإجراءات إذا أراد التآمر ضد البلد. وبالرغم من ميله إلى الخطابات الطويلة والتواصل الإعلامي مع جمهوره، لا يظهر الحوثي أبدا تقريبا في تجمعات عامة، ويتحصن في معقله في صعدة بشمال غرب اليمن، وتبث كلماته من مكان مغلق. ويحيط جمهور الحوثي زعيمهم بهالة تكاد تكون من القدسية، فهو لا يجري المقابلات ويكتفي باستقبال مبعوثين وبالتحاور عبر مبعوثيه. وقال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة نوتر دام اللبنانية إيلي الهندي إن جميع المجموعات السياسية والمسلحة التي تدور في الفلك الشيعي والإيراني تعتبر حزب الله وحسن نصرالله نموذجا والحوثيون يندرجون في هذا الإطار. وأضاف أن الحالة الحوثية تستلهم بوضوح خطاب حزب الله، وتنطلق مثله من مبدأ العداء لإسرائيل ولو أن اليمن بعيد كثيرا عن إسرائيل ... لكن ما زال على زعيم الحوثيين أن يكتسب مزيدا من الخبرة ويحقق ما يمكن أن يعتبره جمهوره إنجازات أكبر. وشعار الحوثيين هو الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام. وقتل الزعيم الأول للحوثيين حسين بدر الدين الحوثي في 2004 خلال الحرب الأولى من بين ست حروب مع القوات الحكومية إبان حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وكان أخاه المقرب جدا منه عبد الملك الأصغر بين أبناء الأب الروحي للمجموعة بدر الدين الحوثي. وكان والد عبد الملك يطلق عليه اسم طارقة أي علامة، بحسب الصحافي اليمني عابد المهذري الذي كتب سيرة عبد الملك الحوثي. ويؤكد المهذري أن عبد الملك الحوثي في الحياة العامة أقرب ما يكون للفقراء وطبقة المجتمع المتوسطة ... منضبط في حياته يصحو وينام باكرا، يقرأ كثيرا ويطالع الصحف ويتصفح الإنترنت ... يمارس رياضة السباحة والمشي ويحرص على الالتقاء بأصدقائه القدامى ورفاق الطفولة. وأضاف أن الحوثي مرح يحب النكتة ... يكتب الشعر وتطربه الأناشيد والفنون الإسلامية. واستفاد الزعيم الحوثي الشاب في 2011 من الفرصة التاريخية التي أتاحتها الانتفاضة الشعبية ضد صالح، ليحقق إنجازات جمة أبرزها الوقوف في الصفوف الأمامية للثورة، ومن ثم تعزيز سيطرة مجموعته على محافظة صعدة في شمال غرب اليمن مع ضعف السلطة المركزية. وشيئا فشيئا، طرد الحوثيون أعداءهم السلفيين من صعدة، ثم ألحقوا عام 2014 هزيمة مهينة بآل الاحمر، الزعماء التاريخيين لقبائل حاشد البالغة النفوذ في معاقلهم التاريخية في محافظة عمران شمال صنعاء، قبل أن يسيطروا في 21 أيلول/ سبتمبر على صنعاء. لكن التقدم المثير للحوثيين وزعيمهم لم يكن ممكنا بحسب كثيرين لولا التحالف مع الرجل القوي خلف الكواليس، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي ما زال يتمتع بنفوذ في المؤسسات العسكرية والأمنية، والذي وصف حكم اليمن يوما بأنه أشبه بـالرقص فوق رؤوس الثعابين. أ ف ب نشرت في : 21/01/2015