×
محافظة المنطقة الشرقية

30 سيدة ينخرطن في ورشة «تمكين»

صورة الخبر

اللامبالاة حس مزعج للآخرين في غالب الأحيان. فكّري مثلا في شريكاتك في مشروع دراسي أو بحثي حين لا يبدين اهتماما كافيا بإنجاز المشروع في وقته وتنتهي الحكاية إما بالفشل أو أن تقوم واحدة من المجموعة بجميع العمل. من قامت بغالب العمل ستشعر بالاستياء والضيم. ليس من العدل أن أقوم بأغلب العمل فيما بقية المجموعة لم تقم بما اتفقنا عليه في البداية، سيكون هذا شعار حالها. هناك اتفاق أولي يوزع الأدوار تمت الموافقة عليه من الجميع ولكن الجميع لم يلتزم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. في الطرف الآخر، طرف الفتيات اللاتي لم يقمن بعملهن هناك عدة احتمالات لردود فعلهن: أولا احتمال الشعور بالخجل وتأنيب الضمير مما حدث ويلحقه ربما التزام داخلي أو معلن بعدم تكرار الأمر باعتبار أنه فعلا سلوك غير عادل. احتمال آخر أن لا يحدث كل هذا وأن تنسحب صاحبتنا التي لم تقم بعملها المفترض من المشهد بدون أي شعور بتأنيب الضمير أو بمكافحة ناجحة لأي شعور بالخجل. الشاهد أن هذه الفتاة لم تخرج من المشهد بأي نيّة بتعديل سلوكها في المستقبل مما يعني احتمال تكرار المشهد في تجارب سابقة. مهمة هذا المقال هي التفكير في الموقف الأخير. موقف الفتاة التي لم يثر عندها المشهد الأخير شعورا سلبيا رغم أنها تعرف أنها لم تلتزم بما وافقت عليه هي في البداية. هذه الفتاة ليس لديها اعتراض حقيقي على عدالة التوزيع الأول ولكنها كانت أمام خيارين: الأول: أن تبذل مجهودا وتنجز عملها، والثاني أن تقوم أخريات بعملها نيابة عنها اضطرارا خشية من فشل المشروع بأكمله. ما هو الشيء المفقود عند هذه الفتاة ولم يفقد عن بقية زميلاتها؟ هل يمكن تفسير المشهد بمجرد الجهل؟ بمعنى أن هذه الفتاة تجهل السلوك المفترض في مثل هذه العلاقات؟ لا أظن ذلك بسبب أن قلب المشهد سيثير غضبها. بمعنى أن هذه الفتاة لن تقبل بأن يحمّلها أحد جميع العمل ويستمتع هو بثمرة الإنتاج معها. أقصد أن حجة الجهل لا تفسر المشهد لأن هذه الفتاة ترفض نفس السلوك الذي قامت به لو قام به أحد غيرها وتضررت هي منه. إذا صح هذا الوصف فإن الجهل لا يفسّر المشهد. ما المشكلة إذن؟ أقترح أن نعود للتشخيصات التي تقدم عادة في مثل هذه المشاهد في الثقافة المباشرة وتعبيراتها المتداولة كنتاج لتجربة الحياة المتراكمة جيلا بعد جيل. من هذه المقولات المقولة التالية: "الحي يحييك والميت يزيدك غبن". تقال هذه المقولة في مناسبة مختلفة منها حين نواجه شخصين: الأول يقوم بمسؤولياته وأحيانا أكثر منها والآخر سلبي ومشغول بنفسه. الرحلات البرية حيث يرتفع العمل والتوقعات من الناس تكشف أحيانا مثل هذه المواقف. عادة تصف الأم أو الأب تلك البنت أو ذلك الابن المبادرين بالقيام بالمساعدة والمشاركة بالحياة فيما يوصف بالموت ذلك الذي ينتظر أن يقوم الآخرون بالعمل نيابة عنه. هل تقدم هذه الأوصاف "حي" و"ميت" تفسيرا لسؤالنا الأول؟ ربما لكن الأكيد أنها تحيل إلى أمر عميق جدا في شخصية الإنسان لدرجة أن يوصف بالموت أو الحياة. بحسب هذا التعبير الإنسان الحي له موقف مختلف من الحياة. الحي ملتزم بشيء متجاوز لحسبته الشخصية الضيقة. لديه التزام جوهري لمن حوله يصنع الفرق عن موقف الميت. يقول روسو في كتابه التربوي إيميل إن حس العدالة ليس أمرا متعلقا فقط بفهم ذهني لفكرة العدالة ولكنه الوجدان الحقيقي للقلب المضاء بنور المحبة. يبدو أن نور المحبة هنا هو الحياة التي وصفها المثل السابق. القضية هنا يمكن التعبير عنها بأنها تحويل المعرفة التي لدينا عن العدالة إلى موقف وجودي في الحياة. هذا يعني أن نعطي معاني العدالة سلطة على سلوكنا. أي ندخل تلك الأفكار إلى عمق رؤيتنا لأنفسنا وللحياة. نقل المعرفة من إطارها النظري إلى إطارها الوجودي هو جوهر الالتزام الأخلاقي أو ما نعبّر عنه عادة بالضمير "الحي". وصف الحياة هنا كما في مثلنا الأول يشير إلى ممارسة الضمير لمهمته الأساسية في توجيه السلوك. العضو الحي هو العضو الذي يقوم بأداء دوره الطبيعي. حين يموت يتوقف عن العمل. الضمير المتوقف عن العمل ميت عمليا. إذا كان هذا الوصف دقيقا لحالة صاحبتنا الأولى التي لم تشارك زميلاتها في المشروع المشترك ولم تشعر بأي تأنيب ضمير لتحميلهن عبء عملها بدون مبرر، فما هو السبب؟ بمعنى ما هو سبب موت الضمير؟ أو ما هو سبب عدم تحول مقولات العدالة إلى معان وجودية يعيش من خلالها الإنسان؟ بمعنى آخر ما هي العوائق التي تمنع النمو الأخلاقي عند الإنسان؟ أو بالصيغة الإيجابية: ما الذي يجعل الإنسان قادرا على تجاهل الألم الذي يلحقه بالآخرين؟ أو ما الذي يجعله قادرا على إخفاء الآخرين من محيط نظره حين يفكر في شؤونه معهم؟ بمعنى آخر ما الذي يجعل الإنسان أنانيا لدرجة تمنعه من أن يرى غيره؟ كيف يستطيع الإنسان أن لا يرى الحقيقة الأولى في حياته وهي أنه يعيش مع الآخرين ولا يمكن أن يستمر في حياته إلا من خلال العلاقة معهم. السؤال يمكن التطرق إليه من جهات مختلفة ولكن الذي يعنينا هنا هو ربط كل هذا بنمو الإنسان وعلاقة هذا باستعداده النفسي وبالشروط الاجتماعية التي يعيش داخلها. موضوع العدالة والأخلاق عموما موضوع عام مرتبط بعلاقة الناس ببعضهم بعضا وبالتالي فهي موضوع تربوي واجتماعي بشكل أساسي.