×
محافظة المنطقة الشرقية

رواية تتكئ على السيرة الذاتية

صورة الخبر

لم يكن مفاجئاً أن تظهر في العلن ملامح تفاهمات أمريكية - إيرانية حول العديد من القضايا، وإذا كان المشروع النووي الايراني هو العنوان الكبير المعلن، إلا أن ثمة شواهد تشير الى أن تلك التفاهمات ستكون اوسع نطاقا وستتعدى المشروع النووي الى ملامح رسم علاقات وسياسات وتفاهمات مشتركة في المنطقة. خلال العامين الماضيين كانت ثمة تسريبات عن لقاءات أمريكية - ايرانية سرية، إلا انه ربما لم يكن من المناسب تحريك هذا الملف علنا قبل ظهور نتائج الانتخابات الايرانية، التي جاءت بحسن روحاني رئيسا لإيران في تخريج لا يغيب عن حقل السياسة لتقديم وجه جديد يمكن من خلاله استثمار تفاهمات سابقة لتصبح ورقة معلنة ومكشوفة. يمكن القول إن أحداث 11 سبتمبر 2001 كانت الاستثمار الاكبر للقيادة الايرانية، التي وظفت تلك الفرصة السانحة للتعاون مع الادارة الامريكية لتغيير النظام في بلدين، ظلت ايران تشكو من تأثيراتهما مرّ الشكوى. أما بالنسبة لإدارة بوش الابن التي خاضت حربين في افغانستان والعراق فلا يستبعد انها وجدت في النموذج الاسلامي الايراني الشيعي معادلا لإسلام القاعدة، النموذج الارهابي المتطرف المحسوب على الجناح السني. لا يستبعد أن يكون هذا التوظيف قائما على اعادة رسم المنطقة وفق معادلة تضع الاسلام بجناحيه في مواجهة مستمرة، ناهيك ان المشروع الامريكي كان يستهدف تغيير النظام في العراق كليا، فبعد حصار 12 عاما كان العراق الثمرة الجاهزة للسقوط. حل الجيش العراقي، ودستور بريمر، وتوفير الارضية المناسبة للأحزاب العراقية الشيعية للسيطرة على مقاليد الحكم سلخ العراق من ميزان الجناح العربي السني ليشكل ضمن منظومة الصراع حلقة مهمة وصلت المنقطع بالممتد الشيعي حتى شواطئ لبنان. لم يكن الشيطان الاكبر سوى الشعار الذي يخفي تحته الكثير من الالتباسات. كان شعارا مقبولا لتمرير مرحلة، لكن لم يكن يخفي أن ثمة تنسيقا اخذ ابعادا اخرى بعد هجمات 11 سبتمبر الكارثية. لم يكن الحلف (الايراني - السوري - حزب الله)، سوى جزء من مشروع يحظى بالقبول الامريكي. كانت الثورة السورية مأزقا كبيرا للإدارة الامريكية. وكل الذين يعتقدون ان اوباما شخصية مترددة يحيلون الامر إلى عقدة العراق وافغانستان فقط، بينما الشواهد والدلالات تشير إلى ما هو أبعد وأنها مرتبطة بمشروع، يمكن ان تتفكك أوصاله بتفكك النظام السوري وسقوطه. السلاح الكيماوي الذي حرك الادارة الامريكية لم يكن من اجل حماية الشعب السوري. ولكن جاء تحت ضغط اسرائيل، وضمن متطلبات حمايتها وأمنها. سقوط هذا السلاح في يد مجموعات مقاتلة معادية لإسرائيل يجعلها تعيش كابوسا لا طاقة لها به. الخشية من ضعف النظام لدرجة عدم القدرة على حماية مخزونه هو الدافع الاكبر. أما مئة ألف قتيل ومئة ألف مفقود ومعتقل، وملايين المشردين واللاجئين والدمار الذي طال نصف المدن والبلدات السورية فلم يكن له حضور يذكر. ولعل دروس عامين ونصف تكفي لامتلاك القناعة الكافية بأن المعلن في السياسة الامريكية ليس بالضرورة هو التوجه الاستراتيجي. السؤال الاهم: على ماذا تنطوي التفاهمات الامريكية الايرانية، وما هي حدودها، وإلى ما سوف تصل، وماذا عن دول الخليج العربية في هذه التفاهمات، وكيف يمكن لها ان تطمئن للإدارة الامريكية التي يمكن أن تمضي في إقرار نفوذ ايران في المنطقة ضمن معادلة المصالح المتغيرة وتبدل الاستراتيجيات؟ فيما يتعلق بالشق الاخير، فلا ضمانات لأطراف تحالفات قديمة اذا ما اقتضت المصالح تغييرها. لا أعداء دائمون ولا اصدقاء دائمون بل مصالح دائمة تتحرك لها بوصلة السياسة حتى لو اقتضى الامر تغييرا في المعادلات القديمة التي بدت راسخة لعقود. أما كيف يمكن ان تؤثر تلك التفاهمات في مصالح الدول الخليجية، فلازالت الاجابة متعذرة حتى يتم اكتشاف الى أين ستمضي تلك التفاهمات؟ وأمام هذه الإرهاصات على دول الخليج ان تعتمد على ذاتها أولا في حماية امنها ومستقبلها.. وألا تفاجأ يوما بعد ان يصبح الجميع أمام الامر الواقع، الذي قد يذهب بالمكاسب ويرسخ مبدأ الخسارة المتوقعة وربما المؤلمة. معظم المخاوف تدور حول أمن دول المنطقة. وكل المخاوف تتركز حول السياسة الايرانية التي تبدو اليوم ناعمة، إلا أنها متورطة بخشونة في صراعات المنطقة حيث اصبحت تلعب دورا من الصعب تجاوزه. سياسة العصا والجزرة تقدمها الآن الادارة الامريكية للنظام الايراني.. العصا لم تعد هي الوسيلة المناسبة في هذه المرحلة لإدارة متورطة في قضايا داخلية اقتصادية صعبة، لكنها لن تحول دون استخدامها في وقت الضرورة القصوى اذا ما تعرضت مصالحها للخطر. إلا أن الجزرة بغية النظام الايراني، الذي يريد أن يقضم أكبر جزء منها، بما يحقق له النفوذ الذي يتطلع إليه، ويضمن له دورا في منطقة تتطلب القدرة العسكرية والجاهزية التي اصبحت هدفا استراتيجيا ايرانيا للدخول في نادي الاقوياء. التوازن الاستراتيجي مع ايران يلزم دول الخليج العربية ان تعيد صياغة سياستها الأمنية الخارجية وتقويم علاقاتها الدولية فيما يخدم أمنها ومصالحها. لن يكون من الصعب بناء قوة عسكرية ضاربة. المملكة يمكن أن تكون الحاضن الاكبر لهذه القوة، إلا أنها تتطلب بناء قاعدة تقنية عسكرية لا تخضع لشروط القوى المهيمنة، وتعتمد على ذاتها في تطوير احتياجاتها وبناء قواتها لتكون في مستوى مواجهة أي عدوان، ناهيك انها ستكون مؤشرا على توازن ردع لابد من تحقيقه في هذه المرحلة. الاتكاء على عون وحماية الغرب أمامه مخاطر كثيرة. وها نحن نرى تفاهمات قد تكون ضحيتها دول الخليج الغنية والقليلة السكان والمعرضة لكثير من الضغوط، ناهيك عن مستقبل لا يمكن استشرافه وسط مخاض قد يعيد تشكيل وصياغة الاهداف الاستراتيجية للقوى الكبرى في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. أما الحصون المهددة من داخلها فهي الشقوق الكبرى التي يتسرب من خلالها وتنفذ مخططات الأعداء. بنية المواطنة القوية والمتماسكة ضمانة امام أي تهديدات خارجية. لا يمكن لقوة في العالم أن تزعزع أوضاعا داخلية أو تمضي في سياسة تمزيق وتفتيت طالما كانت اللحمة والبنية الوطنية قويتين وقادرتين على مواجهة تلك المخططات، فما بالنا إذا كانت تملك من القوة الذاتية ما يجعل الخصم يفكر كثيرا قبل أي حماقة تورط في مخططات تستهدف زعزعة الاوضاع. إلا ان البنية الداخلية تحتاج عملا دؤوبا ومباشرا لوضع مصالح الشعوب فوق أي اعتبار، وتتطلب تصفير المشاكل والتوترات الداخلية قدر الامكان، وتتطلب توفير مظلة تجعل الشعوب شريكة في حماية أوطانها والدفاع عنها .. طالما كانت شريكة في قراراتها ورقيبة على مقدراتها. تحقيق قيم كبرى تتعلق بشروط المواطنة لا تقل أهمية عن بناء قاعدة تقنية عسكرية متطورة. الامن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمساواة والتوزيع العادل للثروة وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية والمحاسبة والمراقبة بقدر ما تتحقق، يتحقق التفاعل في محيط اجتماعي وثقافي يجعل الانتماء قيمة والدفاع عن الوطن أولوية وضمان سلامته فوق أي اعتبار.