كالعادة.. عزز أمس مجلس الوزراء الموقر من الدور الريادي والحيوي للمهرجانات التراثية ذات العمق التاريخي والإنساني، حيث أشاد المجلس بما تشهده محافظة جدة والطائف من حراك ثقافي إنساني تمثل في مهرجان جدة التاريخية وسوق عكاظ. ولعل المدرك لأبعاد إقامة مثل هذه المهرجانات الحيوية تنجلي أمام ناظريه مكانة الإرث الإنساني والثقافي لكل أمة، حيث يشكل جزءا من الهوية التي لا ينبغي أن تغفل عنها. هكذا جاء سوق عكاظ ومهرجان جدة التاريخية الثاني كرسالة جلية باهتمام المملكة بالماضي ليكون بوابة عبور من الحاضر إلى المستقبل الزاهر، فطالما كان تراث الأمم ركيزة أساسية من ركائز هويتها الثقافية، وعنوان اعتزازها بذاتيتها الحضارية في تاريخها وحاضرها ولطالما كان التراث الثقافي للأمم منبعا للإلهام ومصدرا حيويا للإبداع المعاصر ينهل منه فنانوها وأدباؤها وشعراؤها ومفكروها لتأخذ الإبداعات الجديدة موقعها في خارطة التراث الثقافي، وتتحول هي ذاتها تراثا يربط حاضر الأمة بماضيها، ويعزز حضورها في الساحة الثقافية العالمية. وليس التراث الثقافي معالم وصروحا وآثارا فحسب، بل هو أيضا كل ما يؤثر عن أمة من تعبير غير مادي، من فولكلور، وأغان وموسيقى شعبية وحكايات ومعارف تقليدية تتوارثها الأمة عبر أجيال وعصور، وكذا تلك الصروح المعمارية المتعددة والمختلفة، وتلك البقايا المادية من أوان وحلي، وملابس، ووثائق، وكتابات جدارية وغيرها؛ إذ كلها تعبر عن روحها، ونبض حياتها وثقافتها وهو ما شهده المهرجانان. إن التراث هو تراكم خبرة الإنسان في حواره مع الطبيعة، إذ يعني التجربة المتبادلة بين الإنسان ومحيطه، وهذا المحيط الذي يضم حتى الإنسان الآخر فردا كان أم جماعة، ليؤكد أهمية الإرث في استعادة الذاكرة الحية للفرد وللمجتمع، ويمثل بالتالي هوية يتعرف بها الناس على شعب من الشعوب؛ كما أن التراث بقيمته الثقافية والاجتماعية يكون مصدرا تربويا وعلميا وفنيا وثقافيا واجتماعيا، فتراكم الخبرات يكون الحضارة، وتراكم المعلومات يكون الذاكرة، وهذه الذاكرة بدورها تمثل الهوية الحقيقة القادرة على رسم خارطة بناء المستقبل.