اتخذت أزمة اختطاف الدكتور أحمد عوض بن مبارك، مدير مكتب الرئاسة اليمنية وأمين عام مؤتمر الحوار الوطني الشامل، أبعادا جديدة على الساحة اليمنية وخلقت تداعيات سياسية واجتماعية كبيرة تهدد مسيرة التسوية السياسية القائمة في البلاد. وفي حين طلبت اللجان الشعبية التي تحتجز بن مبارك، إقالته من منصبه شرطا للإفراج عنه، أعلنت قبائل شبوة الجنوبية التي ينتمي إليها بن مبارك عن خطوات تصعيدية احتجاجا على ما تعرض له من خطف على أيدي الحوثيين. في السياق ذاته، قال محمد عبد السلام، الناطق باسم عبد الملك الحوثي، إن اللجان الشعبية التابعة لـ«أنصار الله – الحوثيين» اضطرت إلى اتخاذ خطوة إيقاف الدكتور أحمد عوض بن مبارك، مدير مكتب رئاسة الجمهورية، بهدف إيقاف تمرير مسودة الدستور الجديد بصورة غير توافقية كما ينص اتفاق السلم والشراكة الموقع بين الحوثيين وكل الأطراف السياسية في الساحة اليمنية. وأكد عبد السلام، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه ضمن القضايا التي كان يراد تمريرها في مسودة الدستور موضوع تقسيم اليمن إلى أقاليم، واعتبر أن ذلك يخالف مخرجات الحوار الوطني ومبدأ السلم والشراكة المتفق عليه، مشيرا إلى أن إيقاف بن مبارك هدف إلى إيقاف هذه المساعي. وردا على سؤال بشأن ما يطرح من أن الحوثيين لديهم معلومات تفيد بتخابر بن مبارك مع جهات أجنبية، قال محمد عبد السلام «هذا الكلام سابق لأوانه رغم كل ما يطرح». وعما إذا كان الحوثيون يشترطون إقالة مدير مكتب الرئاسة مقابل الإفراج عنه، أكد أن «القضية الأساسية هي قضية مسودة الدستور.. لكن بعد كل ما جرى لا يمكن أن يظل بن مبارك في منصبه، لأن مدير مكتب الرئاسة ليس شيئا شخصيا لهادي وإنما لليمن ككل». وحول وضع اعتقال بن مبارك، قال عبد السلام إنه يتم التعامل معه «وفقا لأخلاقنا المعروفة عنا، والقضية ليست فيه وإنما في موضوع الدستور». وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية يمنية مطلعة أن الساعات الماضية شهدت مفاوضات بين الحوثيين ووسطاء من مستشاري الرئيس ووجاهات سياسية وقبلية في محاولة لإقناع الحوثيين بالإفراج عن مدير مكتب الرئاسة، غير أن الحوثيين اشترطوا لإطلاق سراحه، إقالته من منصبه وتعيين شخص آخر بدلا منه، كما حدث مع اللواء يحيى المراني، وكيل الجهاز المركزي للأمن السياسي (المخابرات) للشؤون الداخلية، الذي اختطف لنحو 3 أسابيع قبل أن يجري الإفراج عنه بوساطة عمانية مقابل إقالته من منصبه ونفيه من اليمن إلى إحدى الدول العربية. وأكدت المصادر أن الوساطة ما زالت مستمرة، حتى اللحظة. وإزاء هذه التداعيات، عقد الرئيس عبد ربه منصور هادي، أمس، اجتماعا استثنائيا لمجلس الدفاع الوطني بحضور رئيسي مجلسي النواب يحيى الراعي، والوزراء خالد محفوظ بحاح. وحسب مصادر رسمية، فقد بحث الاجتماع الاستثنائي «مستجدات الأوضاع الأمنية بكل صورها والتطورات الراهنة على مختلف مستوياتها»؛ حيث أكد هادي على «ضرورة اضطلاع الجيش والأمن بمسؤولية حفظ الأمن في العاصمة صنعاء والحرص الكامل على عدم الانجرار إلى عودة الاقتتال والمتاريس داخل العاصمة أو غيرها من المحافظات، وذلك من أجل الحفاظ على السكينة واستتباب الأمن من الاختراقات التي تتكرر هنا وهناك»، مشيرا إلى ضرورة وأهمية «حسن الأداء والالتزام الكامل بالعمل وفقا لأسس وقوانين الأمن وبما يرسخ الأمن والسكينة العامة»، مشيرا إلى أن على القادة «التنسيق المشترك بما يحقق الأهداف المرجوة وإزالة الاحتقانات وحماية المصالح العامة وبث الاطمئنان لدى المواطن». وفي رد فعل على اختطافه من قبل الحوثيين، أعلنت قبائل محافظة شبوة الجنوبية التي ينتمي إليها بن مبارك عن خطوات تصعيدية احتجاجا على عملية الاختطاف، وأغلقت معظم المرافق الحكومية في مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، أبوابها، فيما هددت قبائل المنطقة بوقف استخراج وتصدير النفط والغاز من المحافظة إلى المحافظات الأخرى وإلى خارج اليمن، إذا لم يتم الإفراج السريع عن الدكتور بن مبارك، في الوقت الذي تعثر فيه عمل اللجنة الرئاسية الخاصة بتطبيع الأوضاع في محافظة مأرب المتوترة والمجاورة لشبوة، جراء عملية اختطاف بن مبارك. من جهتها، واصلت دول مجلس التعاون الخليجي، أمس، تنديدها بما تعرض له الدكتور أحمد عوض بن مبارك وبالعمليات الإرهابية في اليمن. وتلقى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اتصالا هاتفيا من الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وقالت مصادر رسمية يمنية إن الزياني أعرب فيه عن رفض دول المجلس العمليات الإرهابية بكل صورها وأشكالها ومن أي مصدر كان. وأضاف أن دول مجلس التعاون الخليجي تدعم الرئيس هادي واليمن «من أجل استكمال المرحلة الانتقالية المشارفة على الانتهاء وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة باعتبار المبادرة الخليجية المخرج الوحيد والطبيعي والمنطقي لإنهاء الأزمات والانقسامات في اليمن وبلوغ آفاق الأمن والأمان والتطور والازدهار». وقال الزياني إن «عملية التغيير السياسي السلمي في اليمن مدعومة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وبإشراف الأمم المتحدة»، وأكد أنه «لا يجوز الاعتراض على مسيرة التغيير في اليمن لاستنادها على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي شاركت فيه كل الأطياف السياسية اليمنية بكل انتماءاتها ومشاربها واتجاهاتها». ونددت القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب القوى الإقليمية والدولية، بما أقدم عليه الحوثيون من اختطاف تحت تهديد السلاح لمدير مكتب الرئاسة، واعتبرت سلسلة من البيانات التي صدرت خلال الساعات الـ48 الماضية، أن ما جرى يرتقي إلى عمل العصابات، ووصف عبد الباري طاهر، نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» اختطاف بن مبارك بأنه «جرائم متعددة.. جريمة اختطاف، جريمة الاعتداء على النظام والقانون، ويتضح أن هذه الجماعة (الحوثيون) تعتمد على الغلبة والقوة وتريد أن تفرض قضايا سياسية بالسلاح، وفي هذا تعطيل للدستور ولبناء الدولة المدنية وخرق لما يتم التوافق عليه في اتفاق السلم والشراكة ولكل مخرجات الحوار الوطني الشامل»، وأضاف طاهر أن «الأمر المحزن هو التهاون مع الجماعات والميليشيات المسلحة من قبل الدولة، هذه الميليشيات تكتسح المدن وتعتدي على الوزارات والمؤسسات، وكل هذا التهاون أدى إلى هذه النتيجة الكارثية، ودون حزم من قبل الدولة ومواجهة هذا العنف، فسيكون مستقبل البلد في خطر. لا بد من مواجهة عنف هذه الجماعة التي تقطع الطريق والسبيل وتهدد أمن وسلامة البلاد، ولكن التهاون أدى إلى ما وصلنا إليه اليوم». هذا وما زالت اللجان الشعبية التي اعتقلت بن مبارك، تحتجزه في مكان غير معروف حتى اللحظة، منذ صباح أول من أمس، وقد اعترفت، في بيان لها، بما سمته إيقاف مدير مكتب الرئاسة على خلفية مناقشة مسودة الدستور التي تنص على قيام دولة اتحادية في اليمن من 6 أقاليم. وقد تداول النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي صورة يعتقد أنها لابن مبارك وهو ممدد على الأرض وبعض الأشخاص يمسكون به، دون أن تظهر وجوههم، غير أنه لم يتسن التأكد من صحة تلك الصورة أو مصدرها.