ليس هناك ما هو أشد أناقةً من جلوسك على ظهر حديقة وارفة، أو محطة مسافرة، أو على ضفاف نهر سائر، أو مدينة يعمها الركض والضجيج، أو عيادة مكتظة بالمراجعين، وأنت تقرأ كتاباً تجد فيه نفسك بينما يرمقك الآخرون كحالة استثنائية، وكأنك تمارس خروجاً عن نص الحياة وأنت تقتفي أثر خطاك تقلب في أوراقك لتختصر حالات الانتظار محتفياً بالمعلومات، والحكايات التي تزيل حالة التيبس في مساحاتك، وتغرق محصول قمحك بشلالات الخضرة المتأججة فتورق أفكاراً وتلد معاني جديدة، إنها فرصتك لتجاوز تهمتك الأبدية بأنك لا تقرأ!! فبعد ظهور معطيات نشرتها الأمم المتحدة حول عادات القراءة التي أكدت أن معدل ما يقرأه الفرد في أرجاء العالم العربي سنوياً هو ربع صفحة فقط، والأمريكي 11 كتاباً، والبريطاني 8 كتب، كما أن دراسات التنمية الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي في بيروت تحدثت عن صدور كتاب واحد لكل 12.000 مواطن عربي، بينما يصدر كتاب لكل 500 مواطن إنجليزي، وكتاب لكل 900 مواطن ألماني، أي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في إنجلترا، كما لا تتجاوز مداولات سوق الكتاب العربية بيعاً وشراء 4 ملايين دولار سنوياً، بينما يصل هذا الرقم في دول الاتحاد الأوروبي إلى 12 مليار دولار. مما يجعلنا نعيد النظر في أولويات القراءة ونحن نسير طواعية نحو التنوير، والسفر إلى كل بقاع الأرض دون أن نتحرك من أماكننا في رحلة مدهشة إلى عوالم حقيقية وخيالية، إنها أهم مخططات بناء الذات الإنسانية، وولادة الأفكار، وتجاوزها إلى الإبداع، وإلى أهم الطقوس الطاردة لغبار الجهل، واحتفائية فتح الأبواب المغلقة، وجدلية الردود المقنعة، إنها الرحلة الآمنة بعد زيارة الكهوف والفيافي والقفار الموحشة والخروج برؤية مدهشة. إنها الطريقة المتحضرة التي يجب أن تتوارثها أجيالنا العربية للخروج من فارق القراءة إلى قراءة الفارق.