×
محافظة المنطقة الشرقية

15 شابا يطلقون حملة الحج «الصحيح يبدأ بالتصريح»

صورة الخبر

كل حالة إبداع لها مناخ يحتضنها ويعمق حضورها. إلا صناعة الفيلم السعودي التي تعيش حالة من المفارقة الغريبة. فكل عناصر الحالة السينمائية موجودة من مخرجين وكتاب سيناريو وممثلين ونقاد سينمائيين بل توجد هناك مهرجانات سينمائية للفيلم السعودي. كل هذا الحراك السينمائي وما ينتجه من أفلام يظل بعيدا عن الجمهور لعدم وجود صالات لعرض تلك الأفلام. هذه حالة سينمائية مأساوية ولا شك في ذلك. لكن هل هذه الحالة تلقي بظلالها على المضمون السينمائي للفيلم السينمائي السعودي؟ هل هي مبرر لغياب اللفتة الإبداعية في صناعة الفيلم؟ هل عدم توفر المناخ السينمائي مبرر لعدم وجود الفيلم السينمائي المدهش؟ في تصوري السينمائي الحقيقي بجديته وسعة خياله يستطيع أن يتجاوز كل العوائق وينتج فيلما حقيقيا يمتع المشاهد ويؤكد على أن المبدع قادر على استثمار أضيق المساحات وأقل الفرص لكي يقدم طاقته الإبداعية. وفيلم "وجدة" للمخرجة هيفاء المنصور وبحسب ما قرأنا بأن الفيلم توفرت له فرصة الإنتاج الجيدة بحسب الظروف المتاحة من الشركة المنتجة وهذا يظهر من قيمة تكلفة إنتاج الفيلم. لكن هذا الفيلم والذي تم ترشيحه لجائزة الأوسكار والذي يعتبر أول فيلم روائي سعودي كيف هي حالته الإبداعية؟ يبدو فيلم "وجدة" مرتبطا باسم المخرجة هيفاء المنصور فهي كاتبة السيناريو ومخرجة العمل. وعندما يهيمن اسم المخرج على الفيلم وتتوارى أسماء الممثلين والمشاركين في صناعة الفيلم فإن مسؤولية المخرج تبدو كاملة عن مستوى الفيلم. فيلم وجدة يمنحنا الأمل ببداية سينمائية جيدة أو نقول ان صناعة الفيلم السعودي الطويل فكرة ليست مستحيلة. وهو أخرجنا من تلك الأفلام الارتجالية التي غالبا مدتها الزمنية لا تتجاوز الخمس دقائق. هذا الأمل السينمائي جعلنا نلمس في فيلم وجدة التصوير الجيد والموسيقي التصويرية الجيدة واعتقد أن فريق العمل الألماني الذي شارك في إنتاج الفيلم لعب دورا في هذا التميز. ما يميز أي فيلم سينمائي هي رؤية المخرج السينمائية للموضوع الذي يقدمه في فيلمه. وهيفاء المنصور تبدو كمخرجة سعودية مثقلة بالحالة السلبية تجاه المرأة السعودية في المجتمع. لذا تحاول أن تطرح هموم ومشاكل المرأة السعودية سينمائيا. لكنها من فرط حماسها وتعلقها بالهم النسائي قد يذهب بها هذا الحماس إلى أن تكون ناشطة سينمائية أكثر من أن تكون مخرجة سينمائية لكونها تطرح قضايا وإشكاليات المرأة السعودية بالحماس العاطفي دون تبصر وعمق فني يجعل من العمل عملا يكتسب الخلود الفني وليس مجرد عمل سينمائي طارئ. جاذبيته تكمن فقط انه يتحدث عن وضع المرأة السعودية بشكل سطحي دون الذهاب إلى العمق الإنساني. فالتعاطي مع قضايا المرأة هو موضوع جاذب للعالم الغربي والقائمين على المهرجانات السينمائية. الذين يباركون هذا النوع من الإبداع. لأنه يمنحهم ميزة التعاطف مع قضايانا ومشاكلنا الاجتماعية. لكنه في الحقيقة يعطل الإبداع الحقيقي لدى المبدع سواء في السينما أو في مختلف الأجناس الإبداعية من فيلم ومسرح ورواية. هيفاء المنصور في فيلمها "وجدة" لديها ذات الأزمة التي يعاني منها الروائي السعودية عندما يكتب روايته وهو يحشد كل مشاكل المجتمع في ذات العمل. دون التفكر بما يحتاجه العمل وبما يتناسب مع سياق الحدث. فنلاحظ أن الفيلم محتشد بالمشاهد الزائدة التي لا تخدم العمل ولكنها فقط تشير إلى أن هذا الأمر يحدث في السعودية. وهذه حالة تسويقية للفيلم وليس حالة فنية تعزز قيمة العمل جماليا وإبداعيا. حاولت هيفاء المنصور في فيلم وجدة الاقتراب من حالة البساطة في الفيلم الإيراني ومن تلك العوالم السينمائية التي نجح فيها المخرج الإيراني في جذب المشاهد إلى مشاهدة الفيلم الإيراني. فهي التقطت فكرة فيلم أطفال الجنة الذي بطله طفل صغير بإهماله يتسبب في فقد أخته لحذائها. مما يجعله يشترك في مسابقة مدرسية لكي يفوز بجائزة المركز الثالث والتي هي عبارة عن حذاء. فبطلة فيلم وجدة التي ترغب في امتلاك دراجة تشترك في مسابقة للقرآن الكريم حتى تفوز بالجائزة وتتمكن من شراء الدراجة الهوائية. أيضا ذهبت هيفاء المنصور إلى ثيمة الطفولة التي كرستها السينما الإيرانية في اغلب أفلامها وربما أصبحت تلك الثيمة عبئا على السينما الإيرانية. فاختارت أن تكون البطلة فيها فتاة صغيرة تدعى وجدة (وعد محمد) وهي ذات النموذج الطفولي المتشيطن المقدم في تلك السينما. وربما اختيار تلك الفتاة وبتلك المعطيات هو ما جعل الفيلم له قبول عند المشاهد والفتاة التي لعبت دور وجدة (وعد محمد) استطاعت أن تقدم اللمحة المتشيطنة ببراعة. الحوار يمثل أزمة حقيقية في الدراما السعودية وهو نقطة الضعف الأزلية التي نجدها في تلك الدراما. وهذا الضعف تجلى في فيلم "وجدة" فأحيانا يكون الحوار غير منطقي كالحوار في المشاهد الأولى بين الأم ووجدة. أو يغلب عليها طابع الخطابية كالحوار الذي يدور في فضاء المدرسة بين المعلمة أو المديرة والطالبات. أو انه حوار هش كالحوار بين الأب والأم. لكن كانت هناك مشاهد قليلة كان الحوار في حالة جيدة كالحوار الذي جمع وجدة وصديقها الطفل. والفيلم المشهد الآخر هو مشهد حفل الجائزة. وحاولت المخرجة أن تتلافى هذا الضعف الظاهر في الحوار بجعل المشاهد قصيرة جدا ومع هذا كان الحوار ضعيفا بين شخصيات الفيلم. وجدة بطلة الفيلم والدها يعمل في شركة، ووالدتها معلمة. وتبدو الحالة المادية للأسرة جيدة. ومع هذا نجد وجدة تجاهد لكي توفر قيمة الدراجة. لكن ليست الإشكالية هنا. فثيمة الفيلم تقوم على ممانعة الأب والأم شراء الدراجة بحجة أنها لا تصلح للفتاة. وانه قد يعرضها لفقد شرفها. وإذا كان هذا التحفظ والممانعة لدى الأسرة بهذه القوة. فكيف يتم منح وجدة تلك الحرية المعطاة لها في الحركة. فنجدها تتجول في الشارع. وتذهب إلى دكان بائع الدراجات، وتلعب مع صديقها الطفل في أماكن مختلفة. بل وتذهب معه إلى مقر سكن العمالة للتحدث مع السائق الهندي. غير ذلك نجد أن وجدة هي الفتاة الوحيدة التي تظهر وهي تلعب مع الأولاد. وهي الفتاة الوحيدة التي تمشي في الشارع. وهي الفتاة الوحيدة التي لا ترتدي الحجاب. لذا كل ما كان يخص وجدة في الفيلم يبدو فيه حالة من اللا منطقية والبعد عن الصدق الفني. البعد الزمني في الفيلم كان مربكا. ومن الصعب ضبط الزمن الذي تدور فيه أحداث الفيلم. لكن الإشارة إلى انتخابات البلدية يمنحنا أن زمن الفيلم تقريبا هو عام 2005. ومع هذا نجد أن شاشة البلازما حاضرة في منزل وجدة وهي لم تكن بذلك الانتشار في تلك المرحلة الزمنية. ومع هذا فمشهد الانتخابات كان مقحما في الفيلم. وغير المنطقي أن يقوم الطفل وهو بذلك العمر الصغير بعمل توصيل أسلاك الكهرباء وتركيب اللمبات في سطح منزل وجدة وعمه الناخب! الفيلم المتقن هو الذي كل إشارة فيه تمنح المشاهد دلالة ما. وكل ما تفعله شخصيات الفيلم هو ممتزج بعمق الحكاية. ولكن في فيلم وجدة تفاجئنا الزوجة وهي تدخن في السطح بغير مبرر فني يتفق مع سياق تلك الشخصية. ولا يتناسب مع معطيات أسرة وجدة. وإن كان له دلالة أخرى فلم تستطع المخرجة إقناعنا بمبرر ذلك المشهد. كذلك إقحام المرأة العاملة في المستشفى لم يكن ما يبرره. كذلك افتعال أزمة زواج والد "وجدة" بامرأة أخرى لأن زوجته لم تنجب له الولد. وهذه الأزمات المقحمة في الفيلم اعتقد انه بسب ضآلة حكاية الفيلم المتعلقة بأزمة وجدة. وهناك لفتة قد تحسب للمخرجة والتي هي كاتبة سيناريو الفيلم إن من حل أزمة وجدة بشراء الدراجة الهوائية هي الأم. وكأنها ترمز إلى أن قضايا المرأة حلولها تتعلق بمبادرة المرأة ذاتها. كما أن هناك في الفيلم لقطة جيدة. وهي تدل على براعة موهبة الممثلة الصغيرة وعد محمد. فعندما بدأت المشاركة في حلقات تحفيظ القرآن كانت تقرأ القرآن دون تجويد ودون مرونة في القراءة. ولكن في حفل الجائزة قرأت بانطلاق وبصوت متمرن على قراءة القرآن. كما أن شخصية المعلمة التي كانت تشرف على حلقة القرآن لم تكن بمظهر المرأة المتدينة. ولا أدري هل تقصدت المخرجة هذه المفارقة أم لا! أداء الممثلين كان ضعيفا. فيما عدا ريم عبدالله التي بخبرتها وتمرسها على الوقوف أمام الكاميرا جعلتها أكثر تلقائية وقدرة على الأداء بالإضافة إلى الفتاة وجدة (وعد محمد) كذلك بائع الدراجات كان مقنعا في حضوره الخاطف أما من لعبت دور المديرة فأداؤها كان ضعيفا في المشاهد الأولى من الفيلم ولكن في مشهد حفل الجائزة كانت أكثر إقناعا. مع كل الملاحظات والثغرات الفنية في فيلم وجدة. إلا انه فيلم جاذب للمشاهدة. فيه شيء ما يجعل المشاهد يكمل الفيلم. هذا الإحساس الذي يجعلنا نشاهد فيلم وجدة هو ذات الإحساس الذي يجعلنا نأمل بأن تتعمق تجارب هيفاء المنصور وان تصبح لها رؤية سينمائية عميقة. ولا تكتفي بنقل ما هو على سطح المجتمع من قضايا بل تذهب إلى عمق الحياة. وأن لا تستجيب لإغراء الموضوعات التي تجذب أصحاب المهرجانات السينمائية. وأن تتخلى عن عباءة الناشطة السينمائية التي تريد تدون مشاكل المجتمع سينمائيا. بأن تكون المخرجة السينمائية الحقيقية التي تدون عمق الحياة وتفاصيلها.