سكتت إديت بياف عن الغناء وأغمضت عينيها عن الحياة في الـ10 من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1963، وهي في الـ74 من عمرها... لكن صوتها لم يخفت بعد 50 عاماً على وفاتها، وما زال يعد الصوت الغنائي النسائي الفرنسي الأكثر شهرة. كانت إديت بياف أول فرنسية تغزو أميركا بصوتها وبأغانيها، خصوصاً مع الأغنية التي طارت شهرتها في كل أرجاء العالم «لافي آن روز». وأمضت بياف حياتها القصيرة وهي تغني الحب والحياة، وكان حبها الأول لاعب الملاكمة مارسيل سيردان الذي توفي في حادثة مأساوية أصابت طائرته في العام 1949، بينما كان يسافر متجهاً إلى نيويورك للقائها، وهو الرجل الذي كتبت له قبل وفاته «نشيد الحب» الذي تتخوف في كلماته من «يوم قد ينتزعك مني». ويصفها الكاتب الفرنسي روبير بيليريه في إصداره الجديد «بياف، أسطورة فرنسية» بأنها «حطمت كل الأرقام القياسية في الإغراء والشغف والمعاناة والجنون والاستفزاز». فهل كان في ذلك سعي محموم لإديت بياف التي لم يكن طولها يتجاوز متراً واحداً و47 سنتيمتراً لمواجهة خوفها من الوحدة وكرهها لشكلها وجسدها؟ بخلاف ما كانت تقول، لم تولد إديت بياف في شارع شعبي في باريس في الـ19 من كانون الأول (ديسمبر) 1915، بل ولدت في مستشفى مجاور للمنطقة هذه. ولم تكن مصابة بالعمى على مدى أربعة أعوام في طفولتها إلى أن جاءها الشفاء على يد القديسة تريزا، كما كانت تقول، بل في الحقيقة هي «لم تكن تعاني سوى مشكلات بسيطة في النظر لأسابيع قليلة» إثر إصابتها بعدوى، وفقاً للكاتب. وإذا كانت حياتها الشخصية والمهنية مطبوعة بالمآسي والاضطرابات، كوفاة طفلتها مارسيل (عامين) ووفاة أمها إثر تناول جرعة زائدة من المخدرات، فإن إديت بياف طورت إلى جانب هذه المآسي «روحاً طريفة وخيالاً واسعاً، وطباعاً غريبة». في الـ10 من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1963، توفيت إديت بياف إثر إصابتها بنزيف داخلي أثناء وجودها في جنوب فرنسا، بعدما أنهكها إدمان الكحول والعمليات الجراحية والتهاب المفاصل. ولم تقم لها مراسم دفن دينية بسبب نمط عيشها المخالف لتعاليم الكنيسة، لكن عشرات الآلاف من المعجبين بها رافقوا نعشها إلى مقبرة بير لاشيز في وسط باريس. وما زالت اديت بياف حاضرة في فرنسا بالقوة نفسها، وهو حضور يطغى أحياناً على المواهب الأخرى التي رافقت مسيرتها الفنية، وكتبت كلمات نحو 80 أغنية من أعمالها، من بينها «لافي آن روز» و «ليم آ لامور». ومنذ أكثر من 20 عاماً، تواصل أغنية «لافي آن روز» احتلالها قائمة الأغنيات الفرنسية الـ10 التي تدر أكبر إيرادات على أصحاب حقوق ملكيتها على الصعيد العالمي، إلى جانب أغنيات دافيد غيتا وفرقة «دافت بانك». وتنتشر أغنياتها اليوم في كل أصقاع العالم، «في الدول الأوروبية وروسيا وأميركا الشمالية واليابان، إضافة إلى أميركا الجنوبية وأفريقيا».