لم يكن من السهل على شعب مثل السوريين، أن يواجه كارثة الصقيع، التي لفت منطقة الشرق الأوسط في الأسبوع الماضي، خصوصا أنهم قرب نهاية عام رابع من حرب دموية، يشنها عليهم نظام الأسد بمشاركة قوى الإرهاب والتطرف في حلف واحد، تمخضت نتائجه عن مئات آلاف المقتولين، ومثلهم من المفقودين والمعتقلين، وما يزيد على 10 ملايين سوري، تشردوا من بيوتهم وأماكن عيشهم، بينهم نحو 5 ملايين، أصبحوا لاجئين ومقيمين في دول الجوار وفي الأبعد منها وسط ظروف، عجز المجتمع الدولي والدول المضيفة عن توفير حدود دنيا للحياة الإنسانية فيها. وسط تلك الحقائق السورية، جاءت كارثة الصقيع، لتشمل السوريين في شتاتهم وفي وطن، لا تقل فيه ظروف الحياة صعوبة وقسوة، وكان الأسوأ ما لحق بمخيمات اللاجئين، وقد غمرت الثلوج المخيمات في سوريا وتركيا والعراق ولبنان والأردن، وتقطعت الطرق إلى معظمها، ولم يقتصر الموت على العابرين في الطرقات، فشمل الساكنين في خيام، سقط مئات منها على رؤوس أصحابها، وطار الكثير منها في رياح العاصفة بعد أن عجزت أوتادها عن تثبيتها في الأرض، وبات كثيرون في عراء العاصفة، بلا مأوى ولا طعام ولا دواء، وكثير منهم انقطعوا عن العالم، ليس لانقطاع الطرق المغلقة بالثلوج فحسب، وإنما لانقطاع الكهرباء وخدمات النت والهاتف أيضا، مما كرس عزلة شبه تامة. سرعة العالم في متابعة الكارثة، كانت بطيئة بسبب الظروف، وقدرته كانت محدودة نتيجة نقص الإمكانيات مقارنة بالاحتياجات. النظام وقف متفرجا، وربما فرحا لأن العاصفة، تكمل فصولا من حربه على السوريين موتا ومعاناة، ورئيسه ذهب ليلهو مع عائلته على الثلج القريب من مكمنه، والمعارضة وحكومتها المؤقتة بإمكانيتهما المتواضعة، قدمت القليل الذي لا يتجاوز الفتات، ومثلهما فعلت الدول المضيفة، أو زادت على ذلك بقليل دول عربية وأجنبية بعيدة عن مسرح العمليات، فأرسلت مساعدات عاجلة، لتغطي بعضا من الاحتياجات الكثيرة والمتزايدة في ظروف صعبة. والأمم المتحدة التي خفضت مساعداتها قبل أسابيع، ليشمل التخفيض إطعام قرابة مليوني محتاج سوري أغلبهم من اللاجئين، ارتبكت في مواجهة العاصفة، وضاع المسؤولون فيها في تناقضات تصريحاتهم حول الصعوبات والإمكانيات، واقتراح حلول غير ممكنة التحقيق، وقدمت القليل من مساعدات، ساد الارتباك في توزيعها وخصوصا في مخيمات لبنان بسبب ما وصف بـ«الأوضاع الأمنية » هناك. وسط تلك اللوحة من الارتباك، التي أحاطت بظروف مواجهة كارثة الصقيع، برز وجه مضيء، جسده حضور منظمات المجتمع المدني والمجتمع الأهلي المحيط بضحايا الكارثة في سوريا وبلدان الجوار، فتحملت المنظمات ونشطاء فيها رغم قلة الإمكانيات قسطا كبيرا من المسؤولية الإنسانية والأخلاقية، وعملوا بكل السبل والإمكانيات للوصول إلى المخيمات لمساعدة الضحايا، وتأمين احتياجاتهم من تجهيزات وإسكان وطعام ودواء ووقود. وفي الجزء الأخير من مواجهة كارثة الصقيع السوري تفاصيل، تستحق الوقوف عندها في 3 محطات صغيرة لكنها ذات دلالات خاصة؛ أولى المحطات، كانت وسط السوريين المقيمين في تركيا قريبا من مخيمات اللاجئين الموزعة في الأراضي التركية والسورية، حيث نظمت على عجل فرق الإغاثة والمساعدة من الشبان؛ البعض يجمع المساعدات، وآخرون يوضبونها، ثم يتم نقلها وتوزيعها على أصحاب الحاجة بطرق سريعة وفعالة، فيما فرق تقوم بمساعدة سكان المخيمات والمحتاجين على تجاوز ظرف العاصفة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من خراب ودمار حصل، والصورة تكررت على نحو مماثل في أماكن تجمع اللاجئين السوريين في لبنان، كما في حالة عرسال، التي لعب المتطوعون وسط صعوبات شديدة على تخفيف حدة الكارثة فيها، وتأمين احتياجات مهمة للاجئين، وتكرر الأمر في الداخل السوري سواء في المخيمات، كما حدث في مخيم أطمة شمالا، أو في المناطق المحاصرة مثل غوطة دمشق جنوبا، ليتم استثمار كل الإمكانيات المتاحة لتأمين الاحتياجات، وكان بينها قيام أطباء متطوعين بإجراء عملية جراحية عاجلة لمريض وهو يكاد يتجمد من البرد بالتحايل على كل معطيات واحتياجات الطب الحديث المطلوبة. لقد بدت جهود المتطوعين السوريين لإغاثة ومساعدة إخوانهم المحتاجين في مواجهة كارثة الصقيع استثنائية بكل المقاييس، كانت في الأهم من وجوهها، تعبير عن روح ثورة السوريين، التي انطلقت قبل 4 سنوات في وجه نظام الأسد طلبا للحرية، وعبرت في كثير من محتوياتها وتفاصيلها عن تضامن السوريين اللامحدود مع بعضهم، وقدرتهم على عمل الكثير، وهو ما يحتاجه السوريون اليوم، ليس فقط من أجل مواجهة الكارثة الطارئة وهي مجرد تفصيل في الوضع السوري الصعب، بل لمواجهة الظروف القائمة سياسيا وعسكريا وأمنيا والمحيطة بقضيتهم على أكثر من صعيد.