أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن الأمن هاجس أساسي للجميع في بلاده، مبينا أن العام الفائت شهد «محاولات مستميتة من الفئة الضالة وعناصر التخريب ودعاة الفرقة للنيل من استقرار بلادكم ووحدتها، فكان الرد عليها بالمواقف الرائعة من المواطنين على مستوياتهم كافة، مما أثلج الصدر وطمأننا إلى صلابة وحدتنا الوطنية، وباءت تلك المحاولات بالفشل الذريع نتيجة هذه المواقف وما قامت به مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية التي وقفت لهم بالمرصاد وأفشلت خططهم». جاء ذلك ضمن الكلمة الملكية التي وجهها خادم الحرمين الشريفين في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة لمجلس الشورى، بمقر المجلس بالرياض يوم أمس، والتي افتتحها نيابة عنه الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي. وتضمن الخطاب الملكي السنوي جملة من الموضوعات التي تهم الشأن السعودي الداخلي، مشددا على أن اللقاء «يأتي في ظروف دولية وإقليمية بالغة الحساسية والدقة، فمحيطنا الإقليمي يموج بالقلاقل والفتن، وكشر فيه الإرهاب عن أنيابه قاتلا للأنفس وسالبا للأموال ومنتهكا للأعراض»، مبينا أنه مع تلك الظروف وما تستدعيه من انشغال بها «فقد واصلت دولتكم مسيرتها التنموية ساعية إلى تعزيز الأمن وتحقيق راحة المواطن وسعادته». وبين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في خطابه السنوي، أن تحقيق التنمية والرخاء يترافق معه «تشجيع منظومة القيم الثقافية والأخلاقية التي تقوم عليها بلادنا، والتي حث عليها ديننا الحنيف الداعي إلى نشر التسامح والمحبة والرحمة، وترسيخ الهوية الإسلامية والعربية للمملكة، والاستمرار في دعم مكانتها على الصعيد الدولي، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق الأمن الوطني الشامل، وضمان حقوق الإنسان والعدل والمساواة والاستقرار». وتحدث خادم الحرمين الشريفين عن سياسة بلاده البترولية، واهتمامها باستقرار السوق البترولية، مبينا أن السعودية «استمرت في انتهاج سياسة بترولية معتدلة منطلقة من أسس اقتصادية تقوم على مراعاة مصالح الأجيال الحاضرة والقادمة وفق سياسات مدروسة قوامها استقرار السوق، ومراعاة المصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين». وتطرق الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى ما تحقق في بلاده من إنجازات تنموية وتعليمية واقتصادية، وفي مجالات البنية التحتية والمشروعات الخدمية والصناعية، لرفع المستوى المعيشي لكل المواطنين، وتحسين نوعية الحياة، والارتقاء بالخدمات والمرافق وكفاءتها، مشددا بالقول «إن ما تحقق لا يرتقي إلى ما نسعى إليه، ويطمح له المواطن، فطموحاتنا لا تقف عند حد، وسعينا دائب ومستمر للحفاظ على ما تحقق من مكتسبات وتحقيق المزيد من المنجزات، وستستمر الدولة - إن شاء الله - في نهجها التنموي لخدمة المواطن وتحقيق أمنه ورخائه ورفاهيته». وكان الأمير سلمان بن عبد العزيز ألقى كلمة افتتاحية نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، أكدت على ثقة القيادة بمجلس الشورى وكل أعضائه، مبينا أنه «في تشكيله وحدة الوطن، وفي أعماله المشاركة في صنع القرار». وخاطب الأعضاء بقوله «أنتم من قادة الرأي الذين تعتمد عليهم الدولة في صياغة حاضر ومستقبل الوطن، وهذا يلقي عليكم مسؤولية كبرى في مواجهة التحديات التي تتعرض لها بلادكم، وفي الدفع بمسار التنمية الوطنية في أبعادها المختلفة، لتحقيق تطلعات المواطن». وقال «إن بلدكم يعيش في منطقة تشهد العديد من الأزمات، التي أفرزت تحديات كبيرة، وبفضل الله ثم بتعاون مجلسكم وتضافر جهود حكومتكم تمكنا من التعامل مع هذه الأزمات، والاستجابة لهذه التحديات، مما جعل بلادكم واحة أمان في محيط مضطرب»، مشددا على أن البلاد تواجه تحديات إقليمية غير مسبوقة «نتيجة لما حل بدول مجاورة أو قريبة من أزمات حادة عصفت بواقعها، ودفعتها إلى مستنقع الحروب الأهلية والصراعات الطائفية، مما يتطلب منا اليقظة والحذر». وفي ما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين الافتتاحية التي ألقاها ولي العهد السعودي: «بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أيها الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في مستهل هذا اللقاء السنوي، الذي يجمعنا بهذه النخبة الطيبة من أبناء وبنات هذا الوطن الغالي، يسرني أن أقدم لكم الشكر على ما قام به مجلسكم من أعمال، وما اتخذه من قرارات، أسهمت في ترشيد خيارات وقرارات الحكومة، وفق ما تقتضيه مصلحة الوطن والمواطن. لقد أثمرت جهود مؤسس هذه الدولة - طيب الله ثراه - عن قيام هذا الكيان العظيم، الذي أصبح من مسؤوليتنا جميعا حكومة وشعبا الحفاظ عليه وعلى مكتسباته ومكانته بين الأمم وعلى رسالته السامية، تلك الرسالة المستمدة من قيم الإسلام السمحة، ومن رغبة في الحوار والتفاعل مع الأمم الأخرى، بغية تحقيق الغايات الإنسانية المشتركة. يجسد مجلسكم في تشكيله وحدة الوطن، وفي أعماله المشاركة في صنع القرار، فأنتم من قادة الرأي الذين تعتمد عليهم الدولة في صياغة حاضر ومستقبل الوطن، وهذا يلقي عليكم مسؤولية كبرى في مواجهة التحديات التي تتعرض لها بلادكم، وفي الدفع بمسار التنمية الوطنية في أبعادها المختلفة، لتحقيق تطلعات المواطن. إن بلدكم يعيش في منطقة تشهد العديد من الأزمات، التي أفرزت تحديات كبيرة، وبفضل الله ثم بتعاون مجلسكم وتضافر جهود حكومتكم تمكنا من التعامل مع هذه الأزمات، والاستجابة لهذه التحديات، مما جعل بلادكم واحة أمان في محيط مضطرب. واليوم، وكما تعلمون، يواجه وطنكم تحديات إقليمية غير مسبوقة، نتيجة لما حل بدول مجاورة أو قريبة من أزمات حادة عصفت بواقعها، ودفعتها إلى مستنقع الحروب الأهلية والصراعات الطائفية، مما يتطلب منا اليقظة والحذر. وأؤكد لكم أن قيادتكم مدركة لهذه التحديات وتداعياتها، وبعون الله وتوفيقه ستبقى بلادكم تتمتع بما حباها الله به من نعم عديدة وفي مقدمتها نعمة الأمن والاستقرار. أيها الأعزاء الكرام: لا يخفى عليكم ما يحدث في سوق البترول العالمية من تطورات طارئة، سببتها عوامل عديدة، يأتي في مقدمتها ضعف النمو في الاقتصاد العالمي. وإن هذه التطورات ليست جديدة في سوق البترول، وقد تعاملت معها حكومة بلادكم في الماضي بإرادة صلبة، وبحكمة وحنكة، وسوف تتعامل مع المستجدات الحالية في سوق البترول العالمية بذات النهج. إن المملكة ستبقى مدافعة عن مصالحها الاقتصادية، ومكانتها العالمية، ضمن منظور وطني، يراعي متطلبات رفاهية المواطن، والتنمية المستدامة، ومصالح أجيال الحاضر والمستقبل. ونؤكد أن التطور الحقيقي هو الذي يتم وفق خطى موزونة، تراعي متطلبات الإصلاح، والقرارات الرشيدة يتم اتخاذها بعيدا عن العواطف، وتصب في صميم مصلحة الوطن والمواطن، ومسؤوليتكم كبيرة أمام المواطن في ما يعرض عليكم من موضوعات، وأنا على يقين بأنكم أهل لهذه المسؤولية. لقد تطرقت في خطابي هذا إلى بعض الموضوعات التي تستحوذ على اهتمامكم، وفي خطابي الموزع عليكم استعراض لما أنجزته حكومة بلادكم خلال العام الماضي في الشأن الداخلي والخارجي، سائلا المولى عز وجل أن يوفقنا جميعا لكل ما فيه خدمة الدين والوطن. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». بينما جاء في الكلمة الشاملة لخادم الحرمين الشريفين التي وزعت على أعضاء مجلس الشورى في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة للمجلس ما نصه: «بسم الله، وعلى بركة الله، نفتتح أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة لمجلس الشورى، سائلين المولى القدير أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه خير بلادنا الغالية، وأن يبارك جهودنا جميعا ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. أيها الإخوة والأخوات: يسرني في هذا اللقاء السنوي الذي يجمعني بهذه النخبة الطيبة من أبناء وبنات هذا الوطن الغالي أن أستعرض معكم ما حققته دولتكم من إنجازات خلال العام الماضي على الصعيدين الداخلي والخارجي. وبداية، نود أن نستذكر معكم جميعا ما من الله به علينا في هذه البلاد الآمنة من نعم عظيمة، أولاها نعمة الإسلام وما شرفت به بلادكم من خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، ثم ما من الله به علينا من توحيد الشتات على يد الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - فأمن أهلها بعد خوف، واجتمع الشمل بعد فرقة، وأسس - رحمه الله - دولة موحدة، وبنى نهضة مباركة، وواصل أبناؤه الملوك من بعده مسيرة البناء إلى أن وصلت بلادكم إلى ما وصلت إليه من تطور ونهضة على المستويات كافة. أيها الإخوة والأخوات: يأتي هذا اللقاء في ظروف دولية وإقليمية بالغة الحساسية والدقة، فمحيطنا الإقليمي يموج بالقلاقل والفتن، وكشر فيه الإرهاب عن أنيابه قاتلا للأنفس وسالبا للأموال ومنتهكا للأعراض، ومع تلك الظروف وما تستدعيه من انشغال بها فقد واصلت دولتكم مسيرتها التنموية ساعية إلى تعزيز الأمن وتحقيق راحة المواطن وسعادته. أيها الإخوة والأخوات: إن تحقيق التنمية والرخاء يترافق معه تشجيع منظومة القيم الثقافية والأخلاقية التي تقوم عليها بلادنا، والتي حث عليها ديننا الحنيف الداعي إلى نشر التسامح والمحبة والرحمة، وترسيخ الهوية الإسلامية والعربية للمملكة، والاستمرار في دعم مكانتها على الصعيد الدولي، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق الأمن الوطني الشامل، وضمان حقوق الإنسان والعدل والمساواة والاستقرار، مع تطبيق مبادئ الشفافية والمساءلة، ومواصلة الإصلاح المؤسسي وحماية النزاهة ومكافحة الفساد. ولتحقيق ذلك فقد سعينا إلى تكريس الحوار الوطني في الداخل، فواصل مركز الملك عبد العزيز للحوار نشاطه المرسوم له في تعزيز قيم الحوار بين أطياف المجتمع كافة، وأطلق برنامج (حوارات)، بمشاركة نخبة من العلماء والدعاة والمفكرين والمثقفين، للحوار حول موضوع التطرف. كما أكدت دولتكم دائما على أهمية تعزيز حقوق الإنسان، وأصدرت المزيد من الأنظمة المتعلقة بذلك، وكان آخرها نظام الحماية من الإيذاء ونظام حماية الطفل، وتواصل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان متابعة كل ما يتعلق بحقوق الإنسان. كما أن المجتمعات لا تنهض إلا بالتكاتف والمشاركة في نواحي الحياة، ومن هذا المنطق فقد عملت دولتكم على تشجيع مشاركة أوسع للمرأة ضمن ضوابط الشرع الحنيف، ولا شك أن وجود ثلاثين عضوا من النساء في مجلسكم لهو خير دليل على هذه المشاركة الواعية والفاعلة التي تنعكس إيجابا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في وطننا الغالي. كما صدر عدد من الأنظمة التي تصب في هذا الاتجاه، منها نظام المجالس البلدية، وكل ذلك بهدف الوصول ببلادكم إلى مصاف الدول الأكثر تقدما ورخاء مع الحفاظ على قيمنا الإسلامية وتراثنا الأصيل. أيها الإخوة والأخوات: يظل الأمن هاجسا أساسيا لنا جميعا، وقد شهدنا خلال العام الفائت محاولات مستميتة من الفئة الضالة وعناصر التخريب ودعاة الفرقة للنيل من استقرار بلادكم ووحدتها، فكان الرد عليها بالمواقف الرائعة من المواطنين على مستوياتهم كافة، مما أثلج الصدر وطمأننا إلى صلابة وحدتنا الوطنية، وباءت تلك المحاولات بالفشل الذريع نتيجة هذه المواقف وما قامت به مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية التي وقفت لهم بالمرصاد وأفشلت خططهم. نقول ذلك ونشير بفخر واعتزاز إلى يقظة رجال الأمن وتضحياتهم من أجل أداء رسالتهم، وندعو لمن توفاهم الله بواسع رحمته ومغفرته وجنته، ونحيي من يواصل السهر على أمن الوطن والمواطن، ونشد على ساعده وندعو له بالتوفيق والسلامة. وإننا بهذه المناسبة، ومن هذا المنبر، نؤكد للجميع أننا لن نسمح بأي تهديد للوحدة الوطنية، وليعلم من يرتهنون أنفسهم لجهات خارجية، تنظيمات كانت أم دولا، أنهم لا مكان لهم بيننا، وسيواجهون بكل حزم وقوة، كما نؤكد عزمنا على مواصلة العمل الفكري والأمني للتصدي للإرهاب، ولن يهدأ لنا بال حتى نحصن بلادنا الغالية من هذا الخطر. أيها الإخوة والأخوات: لقد ابتلي العالم بداء الإرهاب، هذا الداء الذي استشرى في أنحاء المعمورة والذي أضر بالمسلمين أكثر من غيرهم، وعانت منه بلادكم كما عانى منه غيرها. ولقد حرصنا على أن تكون دولتكم في مقدمة الدول لمحاربته، فعلى الصعيد الداخلي تمت مواجهته من خلال محاور عدة، منها ما يتعلق بالجانب النظامي بإقرار نظام جرائم الإرهاب وتمويله، ومنها ما يتعلق بالجهود المبذولة من العلماء والدعاة والمثقفين لبيان ضلال هذا الفكر وخطورته على العقيدة والأمن، ومن ذلك ما صدر عن هيئة كبار العلماء عن الإرهاب وخطره ومكافحته، إضافة إلى العمل الأمني الدائم لمواجهته من خلال التحركات الأمنية الاستباقية لإفشال خطط الإرهابيين ومطاردتهم والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة. وعلى الصعيد الخارجي، كان لدولتكم السبق في التحذير من الإرهاب وذلك من خلال دعوتنا لإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، والدعوة إلى مواجهة الإرهاب على المستوى الدولي، وقدمت المملكة لهذا المركز تبرعا بمبلغ مائة مليون دولار لتفعيل دوره عاجلا، ثم عززنا ذلك بدعوتنا المجتمع الإقليمي والدولي إلى التعاون لمكافحة هذا الداء. الإخوة والأخوات: إن العدالة أساس قامت عليه هذه الدولة، وستظل قائمة عليه بإذن الله، وقد أنيط تحقيق العدل بمؤسسة القضاء التي تسير في بلادنا بمقتضى شرع الله، وقد حرصنا من خلال مشروعنا لتطوير القضاء وتذليل الصعوبات التي تواجه المؤسسات القضائية للوصول بهذا المرفق البالغ الأهمية إلى ما نصبو إليه جميعا من تحقيق العدالة. وقد ناقشتم في مجلسكم الموقر نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم التي تم إصدارها، كما صدر أمرنا بتشكيل لجنة شرعية من عدد من العلماء الأفاضل لإعداد مشروع مدونة للأحكام القضائية في الموضوعات الشرعية التي يحتاجها القضاء تصنف على هيئة مواد على أبواب الفقه الإسلامي. ونحن عازمون بعون الله على الاستمرار في هذا التطوير سعيا للوصول بالقضاء في بلادنا إلى المستوى الذي تقتضيه الشريعة السمحة ويتطلع إليه المواطنون، ولن نتردد في دعم مسيرة القضاء وصون استقلاله. إخواني وأخواتي الأعزاء: لقد استطعنا بحمد الله على مدى العام المنصرم إنجاز الكثير من المشاريع المتعلقة بالحرمين الشريفين، فقد شارفت أعمال توسعة المسجد الحرام على الانتهاء بشكل عام، كما تم إنجاز مرحلة كبيرة من التوسعة الخاصة بالمطاف وكذا مشروع الجمرات، وقد اتضحت بشائر تلك الإنجازات بحمد الله في موسم الحج الماضي حيث أدى الحجاج مناسكهم براحة وطمأنينة شهد بهما القاصي والداني. أيها الإخوة والأخوات: بحمد الله تم اختتام خطة التنمية التاسعة، وقد تحقق منها الكثير، ونسأل المولى عز وجل أن يجعل الخطة التنموية العاشرة التي ناقشها مجلسكم الموقر أكثر مردودا من سابقاتها، والتي تم التركيز فيها على المسارات التنموية لرفع المستوى المعيشي وتحسين نوعية الحياة، والارتقاء بالخدمات والمرافق وكفاءتها، وتحسين آليات تنفيذ البرامج والمشاريع ومتابعتها، بما يضمن الترشيد والتنمية المستدامة، وتنمية الموارد البشرية، مع تحقيق التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة، ورفع القيمة المضافة للموارد الطبيعية، وتعزيز البحث العلمي والتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة والمجتمع المعرفي، مع الاستمرار في توسيع مجالات الشراكة مع القطاع الخاص، وتطوير قطاع المنشآت الصغيرة بما يحقق توفير فرص للعمل، ومتابعة المحافظة على التعزيز الدائم لشبكات الأمن الاجتماعي ورعاية الأسرة والطفولة، للوصول إلى ما نصبو إليه جميعا من رفعة الوطن وتقدمه ورخائه وازدهاره. ولقد حملت ميزانية الدولة للعام المنصرم ما حملته ميزانيات الأعوام السابقة، وسعت الدولة من خلالها لاستكمال مسيرة التنمية وتشجيع البنية الاستثمارية التي من شأنها إيجاد مزيد من فرص العمل للمواطنين ودفع عجلة النمو الاقتصادي وتشجيع المنشآت الصغيرة، وتم التركيز على المشاريع التنموية للقطاعات الاجتماعية والبلدية والمياه والصرف الصحي والطرق والتعاملات الإلكترونية ودعم البحث العلمي. كما خُصص جانب آخر لتعزيز قطاعين يأتيان دائما في طليعة اهتمام دولتكم، وهما التعليم والصحة، ولم تغفل الميزانية الاحتياجات الأمنية والعسكرية، فقد حرصنا على دعم تلك القطاعات بالمتطلبات البشرية والآلية كافة من أسلحة ومعدات وغيرها مما تستدعيه الحاجة، ونحمد الله أننا نمتلك اليوم قوة أمنية وعسكرية نفخر بها ونطمئن إلى فاعليتها - بإذن الله - في الحفاظ على الأمن والذود عن الوطن وحماية مكتسباته ومنجزاته. أيها الإخوة والأخوات: إن تنمية القوى العاملة الوطنية ودعم مشاركة المرأة في الأنشطة التنموية يمثلان عنصرين مهمين في استراتيجية التنمية الاقتصادية بالمملكة، وقد حرصت الدولة على كل ما من شأنه تحقيق ما يخدم المواطن بهذا الشأن، لذا فنحن مستمرون في المتابعة ورصد النتائج التي تحرزها الجهات المعنية ومستوى تجاوب القطاع الخاص بهذا الشأن لضمان التقدم المستمر بما يضمن تنمية الموارد البشرية وتوسيع الخيارات أمامها لتوفير فرص العمل. وفي سياق دعم هذا النمو لم تغب عن اهتماماتنا ضرورة الوقوف إلى جانب المنشآت الصغيرة التي تعد جزءا أساسيا من اقتصادنا الوطني، وتم إعفاء تلك المنشآت من رسم العمالة، شريطة تفرغ مالكها للعمل فيها، وقد تجاوز مبلغ إجمالي الإعفاءات حاجز 4.5 مليار ريال، واستفادت منها نحو 900 ألف منشأة سعودية. ولتحقيق القدر اللازم من الموازنة صدرت في السياق نفسه موافقتنا على استمرار العمل بقرار مجلس الخدمة المدنية بشأن معالجة التجمد الوظيفي، ودراسة تصنيفات المؤهلات بالخدمة المدنية بما يعزز أنظمة الخدمة المدنية ويرفع من مستواها. كما أن دعم الصناعة الوطنية واجب أساسي من واجبات الدولة، وكذلك توفير الطاقة والحفاظ عليها، وقد سعت الدولة منذ سنوات ولا تزال لتوفير الطاقة من مختلف المصادر لا سيما الطاقة المتجددة التي يستلزم التخطيط للمستقبل أن تكون الركن الأساسي في عملية التنمية، وحرصنا على تطوير الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة غير البترولية. أيها الإخوة والأخوات: لقد كان المواطن ولا يزال نصب أعيننا ومدار سعينا إلى تقديم كل ما يريحه، وشددنا على جميع الجهات الحكومية ومنها وزارة الصحة لتقديم أفضل الخدمات وأوسعها للمواطنين، حيث تم في العام المنصرم، كما في الأعوام السابقة، افتتاح وتشغيل واعتماد العديد من المشاريع الصحية بهدف زيادة السعة السريرية للمستشفيات وتوفير فرص العلاج في الداخل، وتعزيز توظيف السعوديين حاملي المؤهلات المطلوبة في هذا القطاع، والعمل مستمر بما يضمن الارتقاء بمستوى جودة الخدمات الصحية وتطويرها. أيها الأعزاء: لقد ظل التعليم، كالصحة، موضع اهتمام رئيسي لدولتكم، فقد خصص له من الميزانية 25 في المائة، أضيفت إليها بأمرنا 80 مليار ريال لتطوير التعليم في جوانبه كافة، ليشمل ذلك الطالب والمعلم والمدرسة. وفي إطار التعليم العالي أمرنا بإنشاء ثلاث جامعات جديدة في حفر الباطن وبيشة وجدة، وما زلنا نعمل على دعم التعليم بكل ما لدينا من إمكانات، مع استمرار برنامجنا للابتعاث الخارجي، حيث بلغ عدد الطلاب المبتعثين على مدى تسع سنوات أكثر من 250 ألف مبتعث ومبتعثة في مختلف أنحاء العالم. أيها الإخوة والأخوات: إن تيسير حصول المواطنين على المسكن الملائم وفق الخيارات المتعددة هو محل الاهتمام الدائم، وقد عملت دولتكم على توفير المساحات الكبيرة التي تحقق الاحتياجات لوزارة الإسكان في مختلف المناطق، مع ترسية تطوير البنية الأساسية لهذه الأراضي وكذلك البناء عليها بما يضمن سرعة الإنجاز مع مراعاة الجودة، وما زالت الدولة تعمل على زيادة المساحات المخصصة للمشاريع الإسكانية لتوفير أكبر قدر ممكن من المساكن للمواطنين وعلى وجه الخصوص من هم أولى بالرعاية، ويتزامن مع ذلك قيام دولتكم بتهيئة كل ما يمكن القطاع الخاص من المشاركة بفاعلية في زيادة المعروض من المساكن بمختلف أنواعها، ورفع نسبة تملك المواطنين لمساكنهم من خلال برامج تمويل الإسكان المتعددة. أيها الإخوة والأخوات: وفي نطاق منظومة النقل العام، والطرق المحورية التي تربط شرق المملكة بغربها وجنوبها بشمالها، ومختلف مناطقها ومحافظاتها ومراكزها، علاوة على النقل الداخلي في المدن، جاء إنشاء هيئة النقل العام لتنظيم خدمات النقل العام، فالدولة قد أسست مشاريع عملاقة منها ما تم ومنها ما أوشك على التمام، ومنها ما هو في طور الإنشاء أو الدراسة سواء من الطرق البرية أو السكك الحديدية أو شبكات النقل داخل المدن، في نقلة نوعية لربط أجزاء مملكتنا الغالية بعضها ببعض. أيها الإخوة والأخوات: لقد حرصت الدولة في العام الفائت على ألا تغفل الدور الأساسي لقطاع الشباب والرياضة، وأهمية شمول أرجاء الوطن بمنشآت توفر احتياجاتهم، حيث تم افتتاح مدينة الملك عبد الله الرياضية في محافظة جدة، كما أمرنا بإنشاء 11 استادا رياضيا في مناطق المملكة على أعلى المواصفات والمعايير العالمية، كما تمت الموافقة على الترخيص لسبعة عشر ناديا في مختلف المناطق. إخواني وأخواتي: وعلى صعيد السياسة الخارجية، فكما تعلمون مرت المنطقة ولا تزال بقلاقل وفتن وأزمات، أحاطت ببلادنا الغالية من كل جانب، وقد سعينا للقيام بدور فاعل خليجيا وعربيا وإسلاميا ودوليا لحل هذه الأزمات وتجنيب بلادنا الآثار السلبية لها، فعلى صعيد مجلس التعاون لدول الخليج العربية سعينا إلى إعادة اللحمة لدول المجلس وتعزيز مسيرته والتنسيق بين سياسات دوله بما يحقق الأمن والاستقرار كأولوية لدولنا للوصول إلى تحقيق الاتحاد والتكامل والتعاون بيننا في مختلف المجالات. وعلى الصعيد العربي كانت قضية العرب الأولى قضية فلسطين في صدارة اهتماماتنا الخارجية ومحور تحركاتنا السياسية على الساحات الدولية، لمساندة إخواننا الفلسطينيين في مواجهتهم المستمرة للعدوان الإسرائيلي، وقدمت دولتكم دعما سياسيا وماليا لإخواننا الفلسطينيين، وحرصت على رفع الصوت الفلسطيني عاليا ومساندته في كل المحافل الدولية. كما بقينا على صلة وثيقة بالعمل العربي والإسلامي المشترك على مستوى الجامعة العربية وعلى مستوى منظمة التعاون الإسلامي، وحرصنا على التشاور مع الأشقاء العرب والمسلمين لحل الأزمات التي تعصف بعالمنا العربي والإسلامي، كما بادرنا بتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من تلك الأزمات، والمحتاجين من أنحاء العالم. وعلى المستوى الدولي كان لدولتكم دور مؤثر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وفي مجموعة العشرين للدفع بمصالح بلادكم ومصالح أشقائنا إلى الأمام، والوقوف مع الحق والعدل. واستقبلت بلادكم العديد من زعماء العالم وكبار المسؤولين في الدول العربية والإسلامية والعالمية، كما قام العديد من قيادات المملكة ومسؤوليها بزيارات إلى مختلف دول العالم والمشاركة في المؤتمرات التي لها مساس بمصالحنا وأمننا، كل ذلك بهدف تفعيل الدبلوماسية السعودية وتحقيق مصالح دولتكم والدفاع عن قضايا العرب والمسلمين والتصدي لأخطار الإرهاب والفتنة والانقسام، مستندين في ذلك إلى سياسة دولتكم الثابتة الداعية إلى الحوار والتفاهم والمصالحة والدعوة إلى السلام والوئام. وفي سياق اهتمام المملكة باستقرار السوق البترولية، استمرت دولتكم في انتهاج سياسة بترولية معتدلة، منطلقة من أسس اقتصادية تقوم على مراعاة مصالح الأجيال الحاضرة والقادمة، وفق سياسات مدروسة قوامها استقرار السوق، ومراعاة المصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين. أيها الأعزاء: إن هذا العمل البناء المتواصل لم يكن ليتم لولا توفيق الله ثم ما تحقق للاقتصاد السعودي من نمو قوي جعله يحقق في العام الفائت المركز الثالث بوصفه أكبر اقتصاد عالمي من حيث إجمالي الأصول الاحتياطية. أيها الإخوة والأخوات: إن ما تحقق لا يرتقي إلى ما نسعى إليه، ويطمح له المواطن، فطموحاتنا لا تقف عند حد، وسعينا دائب ومستمر للحفاظ على ما تحقق من مكتسبات وتحقيق المزيد من المنجزات، وستستمر الدولة في نهجها التنموي لخدمة المواطن وتحقيق أمنه ورخائه ورفاهيته. أيها الإخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى: إن عمل مجلسكم الموقر هو محل تقديرنا ودعمنا، ونحن على اطلاع ومتابعة لأعمال مجلسكم الذي يضطلع بدوره الكبير وحقق مكانة عالية وسمعة طيبة في الداخل والخارج بحمد الله، لما ينجزه باستمرار من رأي سديد وعمل مخلص رشيد، سواء في الشأن الداخلي أو الخارجي، ونحن على ثقة أنه سيواصل مسيرته المباركة بإذن الله. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».