"نفرح ونسعد جميعاً بمشاهدة شريط في دار سينما، أكثر منا في البيت أمام شاشة التلفاز، ونرفع أصواتنا بالقهقهة أمام جمهور من الناس، أكثر مما نضحك لها ونحن مع صديق نحتسي الشاي، أو عندما نقرأها في كتاب، والضحك ظاهرة استعراضية شعبية، وهو مغاير للبكاء الذي هو شخصي وفردي" (خالد القشطيني) *** استكمالا لقصة العراقي (جودي الوجودي) الذي عقد العزم على السفر إلى باريس لأن مدينة (الحلّة) والعراق كلها ليست مكانا له كما يرى، ولا تستوعب أفكارة، ولكن باريس هي المكان المناسب للمثقفين الوجوديين أمثالة، وأمام سخرية أهالي بلدته، وكما يرويها نوفل الجنابي:" جودي قرر السفر لباريس، وأُذنٌ من طين وأخرى من عجين، ولم يهتم بما يقال، ويذاع، ويشاع من الساخرين منه، فقد حمل أمتعته التي يبدو أنه قد حضَّرها منذ سنين وتوجه إلى كراج بغداد مشيا على الأقدام ومعه سلام علوش بشعره الأجعد الذي يخضعه لتسريح قسري بتعصيبه يوميا من العاشرة مساء حتى العاشرة صباحا " لم يهتما بأحد من الواقفين ليسوا مودعين، وإنما ساخرون وضاحكون من تصرفات هذا الثنائي العجيب، والطموحات الخيالية التي تداعبهما حيث ليس لهما مكان يتسع لأفكارهما، أو يستوعب طرحهما لفلسفتهما الوجودية، فهما يريدان أن يجلسا على كرسيين في مقهى أمام جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، ويناقشانهما عن الوجودية والعدمية، وما تحويه مجلة (الأزمنة الحديثة) التي يصدرها سارتر بمساعدة سيمون، وكذلك الاطلاع على آخر الصرعات الوجودية، والمؤلفات الحديثة في هذا الباب. "كانت تتبعهما عربة خشبية فيها أربع حقائب، ثلاث لجودي، وواحدة لرفيق سفره، حمّلوها على إحدى سيارات ال (18 راكبا) التي انطلقت وسط تلويح، وصفير المودعين الذين غص ثلاثة أرباعهم بالسخرية. كان جودي الوجودي يلوح متجهّماً من بين الأحرف العملاقة لجملة (محروسة سبع الدجيل) المكتوبة بالأحمر السميك على زجاج السيارة الخلفي، ومن علاوي الحلّة في بغداد إلى المحطة العالمية، كان المشوار الأخير لجودي على الأرض العراقية ليصعد القطار الذي اختاره لأسباب مادية وسينمائية. أليس هو نفسه قطار الشرق السريع لصاحبته أجاثا كرستي؟ أليست رحلة مثل هذه تحتاج إلى غموض مثل هذا القطار وإن تبدل شكله وراكبوه؟" يغيب جودي عن الحلة وعن مقهاه، ويكاد أن ينساه الرفاق والأهالي حيث فقدوا مصدر الطرافة والترويح عن أنفسهم عبر نظرتهم الدونية لجودي ولكن: " بعد ما يقارب الأسابيع الثلاثة انتشرخبر عودة سلام علوش، ولكن منتظري عودة جودي الوجودي خاب توقعهم وبقوا محتفظين بمخزون الشماتة حتى اليوم، فقد وصل جودي إلى (مدينته) باريس.. لا فاتحا، ولكن مسافرا متهالكا أخذه القطار لحما ورماه في المحطة الفرنسية عظما. في عام 2004 وفي خبر نشرته صحيفة (الحياة) قرأت أن مخرجاً عراقي الأصل فاز بجائزة مهرجان .. لا أتذكر اسمه، بعد السؤال عرفت أن الفائز هو (جودي الوجودي)." تمر سنوات ولا حس ولا خبر عن الوجودي، وظهر في مكانه في الحلة آخرون سدوا الفراغ وأصبحوا يحتلون مكانه متقبلين النكات والسخرية، والتعليقات من الأهالي. "بعد أربع سنوات أخرى، شاهدته على إحدى القنوات الفرنسية يحلل في السياسة بفرنسية يحكيها مثل أهلها، تحته كُتب على مكان التعريف: (الدكتور جواد بشارة – سينمائي وكاتب من العراق". وهكذا انتصر جودي الوجودي على المشككين، والهازئين بقدراته حيث واجههم على حلبة الواقع وصرعهم بالضربة القاضية. هناك قصص وحكايات طريفة من الواقع سجلها الجنابي، لم تكن من نسج الخيال، لقد عايش الكثير منها، ونظرا لحبه للفكاهة، والثقافة الساخرة فقد سجل الكثير، ولم يحّرف في الأسماء، وقد ذكر كثيرا من أسماء بعض الأعلام وسواهم، وذكر مواقف طريفة تعرضوا لها، ولكن بعيدا عن الخدش أو التقليل من المكانة التي تمثلها الشخصية.