في 2011 عندما بدأت الأحداث في درعا وتلقى بشار الأسد النصائح من أصدقائه آنذاك والزعماء العرب الذين اعتقدوا أن بإمكانه أن يتغير ويقوم بالإصلاحات، لم يكن هناك «داعش» ولا انتشر الدمار والموت والنزوح والكوارث. فالشعب السوري الذي تظاهر آنذاك لم يكن يطالب إلا بالحرية والإصلاحات وإزالة الفساد. فرد عليه رئيسه بالحرب والقصف بالطيران والبراميل والرعب وإطلاق إرهابيين من سجونه كان يستخدمهم في البداية ضد خصمه العراقي نوري المالكي الذي تحول لاحقاً إلى حليفه والذي أساء إلى بلده وللمنطقة مثل بشار الأسد. في 2013 عندما اتصل باراك أوباما بنظيره الفرنسي فرنسوا هولاند للاتفاق على ضرب عدد من المراكز العسكرية والجوية للنظام السوري، كانت باريس جاهزة لخوض المعركة إلى جانب واشنطن من منطلق قناعة هولاند أن على الأسرة الدولية أن تمنع المزيد من المآسي في سورية وأن تضعف النظام لكي يرحل. تراجع أوباما أو أنه لم يكن راغباً منذ البداية. في تلك الفترة لم يكن هناك «داعش» ولا جهاديون يلتحقون بهذه المجموعة الإرهابية التي هي من صنع الأسد. فمنذ 2013 تغيرت الصورة في سورية وانتعش بشار الأسد بمساعدة إيران و»حزب الله» وروسيا واستمر في تدمير سورية والمنطقة بأسرها. زار باريس وفد من أطباء سوريين شجعان يعملون بحيادية على الأرض السورية في أماكن مختلفة من حلب إلى إدلب إلى الغوطة إلى دمشق وغيرها، ووصفوا الكوارث الإنسانية وظروف عملهم الصعبة وقلة الأطباء والجراحين الباقين في سورية وتحدثوا عن الوضع المؤلم والمخجل لأسرة دولية معطلة لا تفعل شيئاً لإيقاف هذه الوحشية. أوباما منشغل بصفقة مع إيران قبل أن ينهي عهده الذي قد يكون أسوأ مما قام به سلفه جورج بوش في العراق الذي أطاح صدام حسين لكنه دمر الجيش العراقي. إن سياسة أوباما بعدم المبالاة بالكارثة السورية وأولويته بعقد صفقة مع إيران على رغم ما تقوم به في سورية وتجبر أبناء لبنان أن يموتوا للدفاع عن بشار الأسد، تجعل أي عربي معتدل يتشدد ويثور إزاء سياسة أميركية حمقاء في خياراتها، حتى أنها ليست بالضرورة لمصلحة الولايات المتحدة. إن حجة أوباما أن سورية ليست مشكلة بلده خطأ فادح. فعدد «الجهاديين الإسلاميين» الذين يذهبون يومياً من الغرب إلى سورية يزداد وأصبح ظاهرة مقلقة للحكومات الغربية. ولو كانت سورية في وضع مستقر من دون الأسد مع حكم ديموقراطي لما حدث ذلك. أما روسيا التي دعت إلى اجتماع بين معارضة مختارة من الجانب الروسي وجماعة النظام فهذه أيضاً نكتة. موسكو تبدو وكأنها تريد حلاً في سورية. لكنها لا تريد التطرق إلى حكومة انتقالية. وموسكو تردد لمن يريد أن يسمعها أنها «ليست في زواج» مع الأسد، في حين أن حلفها العسكري والسياسي معه صلب وتستفيد منه على الساحة الدولية. 200 ألف قتيل في سورية وملايين اللاجئين ومصير بلدهم غير معروف ولا أحد يتحرك إلا النظامان الإيراني والروسي اللذان يشبهان حليفهما السوري. من يعتقد أن تدهور أسعار النفط سيؤثر على إيران هو خاطئ، لأن النظام الإيراني لديه تنظيم وقدرات خاصة به. وهو لا يبالي بحرمان شعبه، فـ «الحرس الثوري» الإيراني لن ينقصه شيء وهو مستمر في دفع «حزب الله» إلى حرب يدفع ثمنها أبناء لبنان قتلى من عناصر الحزب ومدنيين، ونزوح سوري يشكل كارثة إنسانية واقتصادية على لبنان. إن اجتماع موسكو في هذه الظروف مهزلة ولا فائدة منه. وعلى «الائتلاف السوري» المعارض أن يحسن أداءه ويبدأ العمل لتوحيد الصف وتعبئة حقيقية ليكون لديه مصداقية أفضل بعيداً عن الطموحات الشخصية. والمطلوب قبل كل شيء تعبئة دولية لتحرك فعلي وتدخل سريع لإيقاف الكارثة الإنسانية التي تحدث عنها الأطباء السوريون الذين زاروا العاصمة الفرنسية أمس.