يتصور الكثيرون منا، بل ويكتب بعض مفكرينا، أن الديمقراطية الغربية خرافة ولعبة وخدعة. كثيرا ما يوقع هذا الاعتقاد البعض منا في أخطاء. حقا، إن الديمقراطية ما زالت غير مكتملة. تجرى أبحاث واقتراحات كثيرة لمعالجة قصورها. وأول شيء نستدله من هذه الأبحاث هو حيوية النظام الديمقراطي باعترافه بقصوره وأخطائه وسعيه لمعالجتها وإصلاحها. تخبط القوى الغربية في معالجة قضية سوريا ومعاقبة نظام الأسد على جرائمه درس في آلية الحكم الديمقراطي ومصداقيته. كان كل من باراك أوباما وديفيد كاميرون متعطشين لتوجيه ضربة لنظام الأسد، ولكنهما تراجعا عن هذه النية، ورحنا وراح العالم معنا يعجب منهما ومن ترددهما وتراجعهما، بيد أن سلوكهما هذا يشير تماما إلى مصداقية الحكم الديمقراطي لبلديهما كحكم يتمثل على حكم الشعب. لم يكن بوسعهما قط أن يتصرفا كما شاءا وعلى نحو ما كان يفعله صدام حسين. أدركا أن مثل هذه الضربة العسكرية تتطلب استشارة البرلمان وموافقته. طرح كاميرون، كما فعل توني بلير قبله، هذا المشروع على المجلس. ورغم كل ما ألقاه على الأعضاء من أدلة وطروحات، رفض أكثريتهم تخويله بتوجيه الضربة. وعندئذ لم يستطع غير أن ينحني لإرادة المجلس ويتراجع. ولكن لماذا صوت أكثر الأعضاء، ومنهم أعضاء في حزبه، ضده؟ هنا نفتح صفحة أخرى من الآلية الديمقراطية. لقد وصلوا لرأيهم في ضوء الاستبيانات الشعبية المتوالية، والتي أوضحت أن ما يقرب من ثلثي السكان يعارضون أي تدخل في الشأن السوري ولجوء بريطانيا لاستعمال القوة ضد نظام الأسد. انعكس هذا التوجه أيضا فيما كتبه أو قاله أكثر المعلقين والمفكرين البريطانيين. هذا الدفع الشعبي هو الذي أدى إلى اتخاذ هؤلاء النواب ذلك الموقف المعارض للتدخل. كثيرا ما يؤكد ساسة الأنغلوسكسون، فكرة المشاركة الأميركية البريطانية. فغالبا ما تتفاعل وتتجاوب هاتان الديمقراطيتان في مواقفهما. وهكذا كان لرفض البرلمان البريطاني وتراجع الحكومة البريطانية أثرهما على الموقف في واشنطن. بدأ أوباما «يختض» ويتردد ويتوجس بأن الكونغرس قد يحذو حذو البرلمان البريطاني في رفض التدخل. وبالطبع، واجه أعضاء الكونغرس ما واجهه أعضاء البرلمان البريطاني، وهو أن الاستبيانات الشعبية توضح أن أكثرية الناخبين يعارضون التدخل. بقي أن نفكر في هذا السؤال: الديمقراطية هي حكم الشعب باسم الشعب لمصلحة الشعب، فما مصلحتهم في اتخاذ هذا الموقف السلبي؟ هناك تراجع بين الجمهور في الرغبة بأي تدخل في شؤون الشرق الأوسط. وجدوا أنهم حيثما تدخلوا حرقوا أصابعهم. تحملوا نفقات باهظة، وفقدوا الكثير من أبنائهم ولم يحظوا من شعوب المنطقة بغير النكران والاتهامات والعداء، بل والاعتداء على مواطنيهم، وكله من دون أي مردود يستحق الذكر. هناك الآن رغبة حتى في وقف المساعدات للعالم الثالث. أعرب عن ذلك أخيرا أحد كبار الساسة البريطانيين. جماهيرهم على سذاجتهم، أحرص على مصالحهم العملية وأعرف بها من جماهيرنا. وساستهم يتربصون لذلك. وحكوماتهم لا تملك غير أن تلتزم بهم. وتلك هي الديمقراطية.