من البداية وقبل أن أخوض في هذا الوحل المخيف، أريد أن أضعها على (بلاطة)، وأعلن بل وأحلف أن أسوأ ما ابتليت به البشرية على مدار العصور شيئان لا ثالث لهما في درجة السوء: وهما (الخمر والمخدرات). لهذا نهى رب العزة والجلالة عن تعاطي الخمر، ودعا المسلمين إلى اجتنابه، رغم أن به بعض النفع غير أن إثمه أكبر من نفعه بمراحل. وما دمت أنني سأخوض اليوم في هذا المجال الذي يلوح الرأس، فيجب علي أن أحسب لكل خطواتي لكي لا أقع بالمحظور لا سمح الله، وبعدها لا ينفع الصوت إذا فات الفوت. ودخولا في الموضوع أقول: إنني قبل أكثر من ثلاثة أعوام مررت على مدينة (ميونخ) وتعرفت على رجل ألماني من أصول عربية، وحصل بيننا ما يشبه الاستلطاف وكان شبه دليل لي في الأسبوع الذي سوف أقضيه في هذه المدينة، وفي اليوم الثاني من وصولي فبدلا من أن يأخذني إلى متحف المدينة حسب طلبي، وإذا به يأخذني إلى أكبر حانة في العالم تقدم مشروب الجعة -أي (البيرة)-، وعرفت أن تاريخها يعود إلى سنة 1889، وتقدم لزبائنها ما لا يقل عن (50) ألف لتر يوميا من هذا الشراب المر (كالعلقم) - مثلما يقولون -، وكلها تذهب في بطونهم ــ قاتلهم الله ــ. الواقع أنني بعد أن شاهدت آلاف الزبائن وهم يقرعون ويقربعون الكؤوس الكبيرة كالمغاريف تلو الكؤوس حتى (حامت) كبدي وأصبت بما يشبه الغثيان، ورجعت إلى فندقي وشربت كوبا من الحليب الدافئ، ونمت كما ينام العازب البردان. وبهده المناسبة (الكحولية) أتذكر أنني قرأت تقريرا وضعه أحد أبرز الداعين إلى محاربة المسكرات بأن سكان جزيرة (غرينلاند)، وهم في حدود مائة ألف يعيشون في ظروف مناخية سيئة جدا، استهلكوا أكثر من (80) مليون علبة بيرة خلال سنة واحدة، وبين (توماس بيرتلز) وهو عضو في منظمة الصليب الأزرق المعارضة للمسكرات يقول: لو صفت علب البيرة الفارغة، لشكلت خطا يمتد على طول الجزيرة البالغ 2500 كيلومتر. ومن المعروف أن أمريكا في مرحلة تأريخية قد منعت بيع وتعاطي المسكرات، غير أنها بمنعها ذاك فتحت دون أن تدري بابا واسعا لانتشار المخدرات، فأصبح ينطبق عليها مثلنا الشعبي المتداول: (ما أتعس من قديد غير عسفان). ورحم الله الشاعر أحمد شوقي المغرم بتعاطي الراح، إلى درجة أنه أطلق على منزله اسم (كرمة ابن هاني) - وهو يعني (أبو نواس) - الفارس المجلى في هذا المضمار. وقد كتب شوقي يذم المخدرات ومدمنيها قائلا: مساكين صرعى (الكوكائين)، وارحمتا لصبائهم، ويا ويح آبائهم، ابتلو بالسل الآكل، والسم القاتل، والمس الخابل انتهى. أحمدك يا رب على العفو والعافية، والبقية الباقية من عقلي ــ هذا إذا كان ما زال فيه شيء من بقية ــ. نقلا عن عكاظ