إن نمط الحياة الصحي هو طريقة العيش التي تمكّن صاحبها من التمتع بصحة جيدة، جسدياً ونفسياً وعقلياً، بعيداً من الأمراض قدر المستطاع. وخير دليل على أهمية نمط الحياة الصحي ما توصلت إليه دراسة بريطانية حديثة تعتبر الأولى من نوعها في هذا المجال، شملت ٢٥٠٠ رجل تمت متابعتهم فترة طويلة امتدت ٣٥ سنة جرت خلالها مراقبة نمط حياتهم، وعاداتهم الصحية، ومدى التزامهم بالحمية الغذائية الصحية المتوازنة، ومدى حفاظهم على وزنهم المثالي ونشاطهم الرياضي إلى جانب امتناعهم عند التدخين. فماذا كانت المحصلة؟ المحصلة أكدت أن تبني أنماط صحية على صعيد الغذاء والرياضة يساهم في تأخير استحقاق الشيخوخة نحو ١٢ عاماً، وتأخير أمراض القلب نحو ٦ أعوام. أيضاً بينت الدراسة أن الذين واظبوا على الالتزام بوضع ٤ إلى ٥ من الخطوات الصحية تراجعت نسبة إصابتهم بالخرف الشيخي والنوبات القلبية والدماغية بمعدل ٦٠ في المئة، أما خطر الإصابة بالسرطان فهبط هو الآخر لكن بنسبة ٤٠ في المئة. هل ترغب في أن تتمتع بصحة عقلية وجسدية ونفسية للعام ٢٠١٥؟ إذا أجبت بالإيجاب فما عليك سوى أن تمارس نمط حياة صحياً يأخذ في الحسبان النصائح الآتية التي توفر لك فرصة العيش أطول فترة ممكنة: ١- جوّع نفسك من وقت إلى آخر، وهذا لا يعني الحرمان من الطعام كلياً وإنما الاكتفاء باستهلاك٦٠٠ سعرة حرارية يومياً للرجل و٥٠٠ سعرة للمرأة، بمعدل مرتين في الأسبوع. فوفق العلماء الذين تناولوا هذا الموضوع فإن تجويع الشخص نفسه من حين إلى آخر لا يساعد في ضياع الوزن فحسب، بل يساهم في العيش فترة أطول ويقلل من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب الوعائية والخرف الشيخي وغيرها. ٢- مارس خمس دقائق من النشاط الرياضي في رحاب الفضاءات الخضراء، فهناك أدلة متزايدة تفيد بأن أداء التمارين في أحضان الطبيعة الخضراء يساهم في تعزيز الصحة العامة. وفي دراسة أجراها باحثون بريطانيون على ١٢٥٠ شخصاً توصل قائد الدراسة جوليس بريتي من جامعة ايسكس، الى أن قضاء خمس دقائق في أداء التمارين الرياضية في الحدائق العامة مثلاً، يمكن أن يعزز من الصحة العقلية، وأن التأثير الأكبر كان في الشباب، خصوصاً إذا ما نفذّت التمارين في بيئة تحتوي على المياه. وعلّق بول فارمر الرئيس التنفيذي لجمعية «مايند» للصحة العقلية على نتائج الدراسة بالقول إن هذا البحث هو دليل آخر على أن مجرد إجراء فترة قصيرة من التمارين وسط بيئة خضراء يمكن أن تعطينا علاجاً منخفض التكلفة لا يضم عقاقير طبية من أجل المساعدة في تحسين الصحة العقلية. وفي شكل عام فإن الرياضة تساعد في التحكم بالوزن، وتصون صحة العظام والعضلات والمفاصل، وتحسن المزاج، وتقلل فرص حدوث بعض الأمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والأزمات القلبية الوعائية، وتقلل من خطر الوفاة المبكرة. ٣- تخلّ عن السلوكات الخاطئة التي تحمل معها الويل والثبور وعظائم الأمور على صعيد الصحة. رب سائل يسأل: وما هي السلوكات الخاطئة؟ إن السلوكات الخاطئة تشمل: > التدخين بكل أنواعه. > عدم تناول وجبة الفطور. > اعتماد الوجبات السريعة في شكل روتيني. > الإفراط في تناول السكريات والحلويات والأطعمة الدسمة والمقلية. > الإكثار من المشروبات المنبهة. > الإكثار من أكل الأغذية الغنية بالدهون المشبعة. > الإفراط في استهلاك الملح والأطعمة المالحة. > عدم تناول ما يكفي من الخضار والفواكه. > اعتماد الأغذية المكرّرة والمصنعة في شكل يومي أو شبه يومي. > السهر وقلة النوم. > عدم غسل اليدين قبل الطعام. > الإفراط في استعمال أدوية من دون وصفة طبية. ٤- اخرج إلى الهواء الطلق والشمس المشرقة، وحاول أن يكون هذا الأمر على جدول حياتك اليومية ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. إن المشي في الهواء الطلق يطلق العنان لطرح بعض النواقل العصبية التي تسمح بتجديد نشاط الجسم وتحسين الحال المزاجية، وتقوية الذاكرة، وزيادة القدرة على التركيز والاستيعاب، وتقوية عضلة القلب والعضلات والعظام، والحفاظ على ضغط الدم الطبيعي. أما عن منافع أشعة الشمس على الجسم فحدّث ولا حرج، ومن أبرزها أنها تمكّن الجسم من تصنيع الفيتامين د الذي يعتبر وجوده أساسياً لتأمين امتصاص الكلس من الأمعاء وبالتالي إلى فرشه في العظام والأسنان، وإذا علمنا أن ٩٠ في المئة من حاجة الجسم من الفيتامين د يتم تأمينها من خلال سطوع أشعة الشمس على الجلد فإننا ندرك أهمية التعرض يومياً إلى هذه الأشعة. ٥- مارس الهوايات الممتعة، فهي تنشّط الذهن، وتساعد على الاسترخاء، وتسمح بالتمتع بصحة أفضل وبتحقيق الشفاء بسرعة أكبر. ٦- انسج علاقات اجتماعية طيبة، فهي البوابة التي تساهم في دعم الصحة النفسية والذهنية الجيدة، كونها تحسّن الأداء الفكري وتحافظ على مستويات مناسبة من مادة السيروتونين المعدّلة للمزاج. عدا هذا وذاك، فإن العلاقات الاجتماعية تخفّف من الأعباء النفسية، وتمكّن من تأمين الدعم العاطفي والمعنوي الذي يحتاجه الشخص، خصوصاً في الأيام الصعاب. 7- طوّع عوامل الخطر، فقد أكدت دراسة نشرت سابقاً أهمية تطويع عوامل الخطر في إبعاد شبح الأمراض، فعلى سبيل المثال كشفت احدى الدراسات أن مثل هذا التطويع ساهم في خفض احتمال الإصابة بسرطان القولون، وتميّزت الدراسة عن سواها بطرق باب كل عوامل الخطر وتقويم آثارها المتبدّلة مع الزمن، وذلك بعكس الدراسات الأخرى التي تناولت أحد عوامل الخطر في شكل فردي بمعزل عن غيره. أجريت الدراسة على أكثر من 80 ألف ممرضة تراوحت أعمارهن بين 30 و50 سنة، وامتدت قرابة ربع قرن، جمع خلالها الباحثون كل المعلومات المتعلقة بالطول والوزن والعادات الصحية وتاريخ حدوث سن اليأس وتاريخ اصابتهن وأقاربهن بسرطان القولون وتاريخ عمل الفحوص الطبية واستهلاكهن الأسبيرين والكحوليات والعلاجات الهرمونية. وبعد تفحّص نتائج الدراسة وجد المشرفون عليها أن هناك عوامل خطر لا يمكن تطويعها، أبرزها العوامل الوراثية. في المقابل هناك عوامل خطر يمكن تطويعها، مثل البدانة، واللحم الأحمر، واللحم المعالج، والنشاط البدني، والفيتامين حامض الفوليك، والفحوص الطبية. فمثلاً المرأة التي كانت بدينة ولا تمارس الرياضة، وتستهلك اللحوم الحمراء والمعالجة صناعياً بوتيرة يومية، وتأخذ مقادير شحيحة من الفيتامين حامض الفوليك، ولم تخضع لأي فحص طبي في خصوص سرطان القولون حتى سن متقدمة، كانت أكثر عرضة للإصابة بسرطان القولون بمقدار أربع مرات أسوة بزميلتها التي كان وزنها معتدلاً، وتمارس الرياضة بانتظام، وتتناول حاجتها من الفيتامين حامض الفوليك، وتخضع للفحوص الطبية الدورية للكشف عن سرطان القولون، ولا تتناول اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة صناعياً إلا نادراً. 8- قمْ بعمل الفحوص الطبية في أوانها من أجل رصد الأمراض التي تندلع في الجسم في شكل صامت من دون أن تعطي أي خبر عن وجودها في البداية ما يجعلها تنسج خروقاً كبيرة قد يصعب إصلاحها، أو قد لا يمكن إصلاحها إطلاقاً. وفي الختام، إن ادخال بعض التغيرات البسيطة على طريقة عيشك هي التي تضمن لك صحة أفضل وعمراً أطول، ويجب أن تعرف أن إحداث التغيرات الصحية السليمة الأقرب إلى الواقع هي الأفضل لأنه في إمكانك الإلتزام بها دائماً... وكل عام وصحتكم بخير.